" القدوة " هو ذلك الإنسان الذي يقود ركب البشرية إلى سبيل السلام . " والأسوة " هو ذلك المثل الأعلى لكل القيَم .
فالأسوة تعني النموذج الكامل ، لأفضل ما يفكر فيه الإنسان من خُلق وعمل ، بينما القدوة تعني الهاديَ إلى السبيل . بين سبل الحياة المتفرقة .
وإذ نكتب هذه السلسلة . باسم " القدوة والأسوة " فإنما نريد أن نشير إلى أن القادة الذين نشرح سيرة حياتهم ليسوا فقط " قدوة الأمة " بل هم " أسوة الأمة " أيضا .
فكما يجب أن نستنير بهداهم الذي خلّفوه لنا في أقوالهم ، فكذلك يجب أن نتأسى بهم في أعمالهم التي عملوها وكانت سنّة للبشر .
ويعتبر من ميزات الرسالات الإلهية أنها تصوغ ، جميعا ، أشخاصاً مثاليين ليكونوا النموذج الذي يجب أن يعجعله الفرد نصب العين ، فيطبق جميع شؤونه وفقه ليتخرج طبقاً لأفضل حياة كريمة .
أما سائر المبادئ فإنها حينما يفشل المنتمون إليها في صياغة نماذج مثاليين ، فإنهم يعمدون إلى أحجار جامدة .. وأخشاب صامتة . فيجعلونها الأسوة الرمزية التي يجب عندهم اتِّباع ما يُنسب إليها من الأساطير . وهكذا يحاولون سد الفراغ .. ومن ذلك كانت قديما أنصاف الآلهة التي كانت الشعوب المتخلفة تزعمها نماذج للبطولات الخارقة والأمجاد العظيمة .. ومن ذلك - حديثا - الجندي المجهول ، الذي يعتبر رمزاً للفدائي الذي يجب أن يتبع من قِبَلِ سائر المواطنين .
أما في الإسلام ، فقد جعل اللـه سبحانه حامل رسالته ، أسوة للأمة فقال : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللـه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (الاحزَاب/21) حيث اعتبر الأسوة معصوماً ، وقال : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (النجم/3-4) . وهو يعني كونه ، لايرتكب أي خطأ ولا يميل إلى أي انحراف . وإن لم يكن كذلك ، لبطل كونه أسوة ، ولم يصح ان يجعل الرسول سيداً مطاعاً في الخلق إذا أمكن أن يخطئ فيجر إلى تابعيه الويل ، وأمكن أن ينحرف فينكب بتابعيه الطريق ، وأمكن أن ينجرف إلى الأهواء ويتبع الشهوات فيهوي بالخلق إلى المهاوي بعد أن يبدل حكم السماء ويحرّف كلماته .
ولم تقتصر نعمة اللـه على المسلمين بجعل النبي أسوة ، إذ جعل لهم خلفاء للنبي ، وجعل كلاًّ منهم أسوة تتبع ، بعد ان جعلهم معصومين عن الزلل .. بل جعل للنساء من الأمة أسوة من جنسهن ، تكون رمز الفضائل والقيم ، وشاهدة على مدى صلاحية تعاليم السماء للتطبيق العملي بكلّ تفاصيلها ، وفي كلّ المجالات ... وتلك هي فاطمة الزهراء (ع) .
ففاطمة الزهراء التي أُضيئت هذه الأسطر بقبس من سيرتها الوهّاجة ، معصومة شأن سائر الأئمة والأنبياء عليهم صلوات اللـه . فهي إذاً ، لاتفعل سوى الحق ، ولا تتبع غير الحق ، وهي إذاً ، قد طبقت تعاليم السماء على نفسها تطبيقاً كاملاً . وهي - إذاً - قد أصبحت المثل المحتذى في جميع الفعال والخصال ، وهي لذلك كله " القدوة ، والأسوة " .
فإذا كيَّفنا حياتَنا وفق سيرتِها ، وأفكارَنا وفق أفكارها ، وتخلَّقنا بمثلِ خُلقها ، فقد بلغنا الصواب . لأنها كانت نسخة ناطقةً عن القرآن الكريم ، وشاهدة صدقٍ على واقعية تعاليمه الحياتية .
أقول ذلك في مقدمة هذه الصفحات - لكي نعرف أهمية البحث عن الصِّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) . لأنها تتصل بحياتنا بصورة مباشرة .