بقلم: محمد علي شاهين
أربطوا أحزمتكم، لا تفتحوا عيونكم، أغلقوا أفواهكم إذا عذّبتم أو قهرتم أو هجّرتم، لا تعترضوا على إهدار أعماركم وسرقة أموالكم، موتوا بغيظكم، فأنتم في حرب مع إسرائيل.
فربطنا وأغمضنا وصمتنا، وهجّرنا ومتنا بغيظنا من أجل عيون فلسطين.ادّعى الانقلابيّون العسكريّون من بقايا جنرالات جيش الشرق الفرنسي أنّ هدفهم تحرير فلسطين، لكنّ الحقائق أكّدت فيما بعد أنّهم ما جاؤوا إلاّ للتوقيع على اتفاقات الهدنة.
وجاء بعدهم من أنفق أكثر من نصف ميزانيّة الدولة لبناء الجيش وتدريبه، وشراء الأسلحة والمعدات الحربيّة وصولاً إلى التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، فكدّسها في المستودعات حتى صدئت وألقاها في ساحات الخردة، واستهلك الآليات في التدريب، قبل أن تدخل ساحة المعركة.
سرّحوا خيرة الضباط ممن تلقّوا تدريبات عالية وحصلوا على شهادات وخبرات قلّ نظيرها، تحت دعوى أنّهم انفصاليون، أو رجعيّون، واستقدموا المعلمين ليملأوا بهم المراكز العسكريّة الشاغرة فجلبوا على أمتهم عار هزيمة حزيران وضيّعوا الجولان.
أرهقوا الشباب بالخدمة الإلزاميّة التي التهمت أجمل سنوات العطاء دون مبرّر بسبب طول مدتها، وكثرة مرات الدعوة للاحتياط، فصارت هماً.
أرهقوا المواطن بكثرة الضرائب لدعم المجهود الحربي، وجبوا التبرعات لتسليح الجيش، ولم يشعر المواطن أنّه في دولة تنتج البترول والغاز، ولم يلحس لحسة واحدة من هذا العسل الأسود، لأنّ فلسطين تطلب منا المزيد لتحريرها.
أصبحت القضيّة الفلسطينيّة مشجباً يعلّق الحكام عليها كل مشاكلهم السياسيّة والاقتصاديّة وعقدهم وفشلهم وهزائمهم.
فرضت علينا قوانين الطوارئ على مدى ستّة عقود، فلا يعرف جيلنا سوى الخوف من عصا السلطة وجحيم أقبيتها، ودخلنا السجون والمعتقلات بالآلاف، وكان التقدّميّون يلعنون الرجعيين كلّ صباح، وكان الحاكم العرفي يأمر بمصادرة الممتلكات، ولم تتوقف محكمة أمن الدولة عن إصدار الأحكام الجائرة بحق أعداء الأنظمة، وذقنا مرارة التعذيب فسكت الناس من أجل فلسطين حتى قلعوا أظافر أطفالهم.
أجهزة ومراكز انتشرت في كل مكان، سلبت المواطن حقوقه الإنسانيّة، وانتهكت بشكل مخيف وفظيع كرامته، تستخدم فيها أفانين التعذيب الجسدي والنفسي، كرّست لحماية النظام الذي يدّعي تحرير فلسطين.
وويل لمن يرفع صوته فوق صوت المعركة مطالباً بالإصلاح، لأنّه في نظر النظام خائن للقضيّة الفلسطينيّة.ولم تتوقف دول المنطقة عن استغلال القضيّة الفلسطينيّة للظهور بمظهر الوطنيّة، وترويج سياستها ومواقفها، حتى الدول التي عقدت اتفاقيات السلام مع إسرائيل لم تتوقف عن الحديث عن فلسطين وحقوق الفلسطينيين.
والأنكى من ذلك أن تستغل دولة مثل إيران القضيّة الفلسطينيّة للترويج لمذهبها بين الفلسطينيين، لأنّها قدّمت لهم المساعدة.
وماذا فعلت دول الصمود والممانعة للفلسطينيين الذين استولى الأشرار على منازلهم ومتاجرهم في العراق سوى تركهم في العراء على الحدود، هم وأطفالهم ونساءهم، حتى رقّت لهم قلوب العالم فنقلوهم إلى أمريكا اللاتينيّة.لقد أدرك المواطن أنّ إرهاقه وقهره باسم القضيّة الفلسطينيّة هدف خبيث وضعته إسرائيل لفرض الأمر الواقع على الشعوب العربيّة والقبول بالصلح معها.
إنّ كل المهرجانات والخطب والمناسبات والمسيرات والبيانات والتصريحات الإعلاميّة والمؤتمرات الصحفيّة التي يجري فيها استغلال القضيّة الفلسطينيّة بشكل فاضح ووضيع، والتصفيق فيها لأبطال التحرير المزيّفين، لن يغّير المشهد السياسي، ولا القناعات التي أدركها المواطن ودفع ثمنها بعد هذه السنين العجاف.
لقد أدرك المواطن العربي أنّ من يقتل شعبه أو يعذبه أو يقمعه لا يستحق شرف تحرير فلسطين، وأنّ القضيّة الفلسطينيّة ليس متجراً للارتزاق، وباباً لإطالة عمر النظام العربي. ولن يصدق اليوم أحد من الناس مهما بلغت أميّته السياسيّة إي اتهام للمعارضة بالخيانة والتواطؤ مع إسرائيل بعد أن تكشّفت الحقائق، وبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
وطوبى للغرباء
1/5/2011