[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
أبو مروان عبد الملك بن زهر بن عبد الملك الإشبيلي أحد مشاهير أطباء الأندلس، ولد في إشبيلية سنة 464/1072، نشأ في رعاية أسرة علميّة أنجبت كثيراً من الأطباء والطبيبات والشعراء، وكان أبوه وجده وابنه من كبار أطباء الأندلس.
Image ولم يعرف عن بني زهر أنّهم ألّفوا بغير الطب، ما عدا الطبيب الرابع وهو أبو بكر الحفيد فإنه إلى جانب اشتغاله بالطب , اشتغل بالفقه واللغة والأدب , وكان شاعراً رقيقاً نال شهرة واسعة في نظم الموشحات التي تعد من أرقى الموشحات الأندلسية
حفظ القرآن الكريم، وقرأ الحديث، وتلقى مبادئ الدين واللغة على علماء إشبيلية، وقرأ الطب على أبيه ومارسه تحت إشرافه، ودرس خصائص عناصر الأدوية، حتى تفوّق على أطباء عصره، وبلغ من الشهرة مبلغاً عظيماً.
خدم دولتي المرابطين والموحّدين بإخلاص، وكان عند الأمراء موفور الكرامة، متمتّعاً بالجاه العريض والمكانة العالية في البلاط.
وصف التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرق استخراج الحصى من الكلية، وكان أول طبيب عربي يُقبل على عملية خزع الرغامى، ووصف معظم الأمراض الباطنيّة التي تصيب الإنسان، والأمراض الجلديّة، وأنواع الحمّى، وشرح طريقة التغذية القيسريّة أو الاصطناعيّة بطريق الحلق أو بطريق الشرج، وبيّن قيمة العسل في الغذاء والدواء، كان أوّل من وصف طفيلي الجرب المسمى "صؤابة الجرب".
ترك ثروة علميّة قيّمة منها: (التيسير في المداواة والتدبير) وهو الكتاب الذي يؤكد الصداقة الوطيدة التي كانت بينه وبين ابن رشد، إضافة إلى التعاون العلمي، فإن شهرته طارت، من جهة ثانية وتداوله الأطباء في أوروبا بعد ترجمته إلى العبريّة واللاتينيّة وغيرها من اللغات الأوروبيّة، واعتمد في التدريس بمعاهد الطب حتى نهاية القرن السابع عشر، اعتماد كتاب "القانون" لابن سينا، وترك أثراً بليغاً في الطب الأوروبي حيناً من الدهر.
و(الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد) ويسمى (الزينة) تصرف فيه تصرف الواثق بعلمه وتجربته، ورأى أنه يتصرف في ذكر الأدوية وأمثالها تصرّف الكيماوي الذي يركب الأدوية ويعرف خصائص عناصرها، و(الأغذية) و(الجامع) و(تذكرة في الدواءالمسهل وكيفيّة أخذه) و(مقالة في علل الكلي) و(رسالة في علمي البرص والبهق).
ويروى أبو القاسم المعاجيني الأندلسي أن الخليفة عبد المؤمن بن علي احتاج إلى شرب دواء مسهل وكان يكره شرب الأدوية المسهلة فتلطف له ابن زهر في ذلك وأتى إلى كرمة في بستانه فجعل الماء الذي يسقيها به ماء قد أكسبه قوة أدوية مسهلة بنقعها فيه أو بغليانها معه ولما تشربت الكرمة قوة الأدوية المسهلة التي أرادها وطلع فيها العنب وله تلك القوة احم الخليفة ثم أتاه بعنقود منها وأشار عليه أن يأكل منه وكان حسن الاعتقاد في ابن زهر فلما أكل منه وهو ينظر إليه قال له يكفيك يا أمير المؤمنين فإنك قد أكلت عشر حبات من العنب وهي تخدمك عشر مجالس فاستخبره عن علة ذلك وعرفه به ثم قام على عدد ما ذكره له ووجد الراحة فاستحسن منه فعله هذا وتزايدت منزلته عنده.
ويروى أنه كان في وقت مروره إلى دار أمير المؤمنين بإشبيلية, يجد في طريقه -عند حمام أبي الخير بالقرب من دار ابن مؤمل- مريضاً به سوء قتبه وقد كبر جوفه واصفر لونه، فكان أبداً يشكوا إليه حاله ويسأله النظر في أمره، فلما كان بعض الأيام سأله مثل ذلك، فوقف أبو مروان بن زهر عنده ونظر إليه فوجد عند رأسه إبريقاً عتيقاً يشرب منه الماء, فقال اكسر هذا الابريق فإنه سبب مرضك, فقال له لا باللّه يا سيدي فإني ما لي غيره, فأمر بعض خدمه بكسره فكسره, فظهر منه لما كُسر ضفدع وقد كبر مما له فيه من الزمان فقال له ابن زهر : خلصت يا هذا من المرض انظر ما كنت تشرب وبرأ الرجل بعد ذلك.
ترجمت كتبه وأبحاثه القيّمة إلى اللغة اللاتينيّة، وكانت مرجع أطباء أوروبا في زمن تقدّم المسلمين.
ترك ذريّة صالحة من الأطباء ومنهم ابنه أبو بكر محمدبن عبد الملك الذي فاقت شهرته في شعر الموشّحات على شهرته في الطب.
ومن أجلّ تلاميذه في الطب أبو الحسين بن أسدون، وأبو بكر بن الفقيه القاضي أبي الحسن قاضي إشبيلية، وأبو محمد الشذوني والفقيه الزاهد أبو عمران بن أبي عمران.
توفي بإشبيلية سنة 557/1162.
* * *