حجة الإسلام، إمام شافعي متصوف، صاحب التصانيف، ولد في طابران من ناحية طوس سنة 450/1057 ، قرأ الفقه في صباه ببلده، وسافر إلى جرجان فقرأ على أبي النصر الإسماعيلي، ونيسابور وبغداد، ولازم إمام الحرمين الشريفين الجويني بنيسابور، وجلس للإقراء في حياة إمامه، وأقبل عليه نظام الملك وحل به محلاً عظياً، وكان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء، فوقع لأبي حامد في مجلسه ملاقاة الفحول ومناظرة الخصوم في فنون العلوم، وفاق أقرانه وبرع في المذهب والخلاف والجدل والأصول فظهر فضله وذاع صيته.
تولى التدريس بالنظامية في بغداد سنة 484/1091 وانتهت عليه رئاسة العلم في العالم الإسلامي، خرج من بغداد لطلب السعادة واليقين، وسلك طريق الزهد، وقصد الحج سنة 488/1095 فحج ورجع إلى دمشق وأقام بزاوية الجامع، واستوطنها عشر سنين، وخرج من الدنيا بالكلية، وكان يرتزق بنسخ الكتب، انكشفت له حقائق الصوفية، وانتقل إلى القدس، ثم انتقل إلى مصر وأقام بالإسكندريّة مدّة، ثم عاد إلى وطنه طوس، ثم خرج من عزلته إلى التدريس بنيسابوروالتدريس بها في النظاميّة، ثم تركها وعاد إلى وطنه وأقام بطوس وعكف على التعليم والتربية، ونشر العلم وعدم مخالطة الناس، وابتنى خانكاه للصوفية ومدرسة للمشتغلين ولزم الإنقطاع ومجالسة أهل القلوب، وصرف وقته إلى وظائف الخيرات من تلاوة القرآن، ومجالسة الصالحين، وكثرة العبادة، والتخلي عن الدنيا، والإقبال على الله، والتبحّر في علوم الحقيقة، نقد الفلسفة وجدد علم الكلام ودعا إلى التحلي بالأخلاق، ورد على الباطنية، ونقد الملوك والوزراء وحثهم على الإصلاح واستعرض المجتمع الإسلامي وأيقظ الفكر فيه ودعا إلى حقائق الإسلام، وتعتبر كتبه ثروة علمية، منها: (إحياء علوم الدين) أربع مجلدات، ولا يستغني عنه طالب الآخرة، و(الوجيز في فروع الفقه الشافعي) و(ياقوت التأويل في تفسير التنزيل) نحو أربعين مجلداً، و(قواعد العقائد) و(المستصفى في أصول الفقه) و(تهافت الفلاسفة)، وقال القاضي عبد الملك بن أحمد بن محمد بن المعافى يرثيه:
بكيت بعيني واجم القلب واله
فتى لم يوال الحق من لم يوال
وسيبت دمعا طال ما قد حبسته
وقلت لجفني واله ثم واله
أبا حامد محي العلوم ومن بقي
صدى الدين والإسلام وفق مقاله
توفي بطابران سنة 505/ ودفن بقصبة طوس.