منتديات بدر الخير

أهلا ومرحبا بكم في منتديات بدر الخير

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات بدر الخير

أهلا ومرحبا بكم في منتديات بدر الخير

منتديات بدر الخير

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات بدر الخير

أهلا وسهلاً بكم أعزائنا

أهلا ومرحبا بكم في منتديات بدر الخير
أخبار - سياسية - ثقافية - أقتصادية - رياضية    عربية وعالمية
أخبار رياضية يومية - عراقية - عربية  - عالمية - أنتقالات اللاعبين - أخبار المدربين
تاريخ أهل البيت - أدعية زيارات - كتب دينية - تاريخ الصحابة
https://bdrr.forumarabia.com/ رابط منتديات بدر الخير
تفسير القرآن الكريم  -  تفسير الجلالين  - تفسير أبن كثير - صوتيات ومرئيات أسلامية  -  تجدونه في أقسام القرآن الكريم وتفسيره  -  وأقسام الصوتيات والمرئيات الأسلامية
الأنسان والمجتمع  -  أقسام عامة  - مواضيع ثقافية  -  مواضيع صحية  -  تفسير الأحلام
نرحب بأعضاءنا الجدد الأخوة {  أحمد الربيعي  - علي أبو شيته  - يسار العراقي   -  أحمد اللامي  -   كرار الخيكاني   -  خادم العترة   -  خادم أل البيت  -  المختار  -  بنت الهدى  } ويسعدنا مشاركتكم معنا وأتمنى من الأخوة الدخول ألى علبة الدردشة للتواصل تحياتنا أدارة المنتدى
منتدى الديانات : أقسام خاصة بكل االديانات - المسيحية - البوذية - اليزيدية - الهندوسية - السيخية - وكافة الأديان لا تفوتكم فرصة الأطلاع
منتدى ثقافي ترفيهي : قصص وروايات - عالم الحيوان - غابات وصحاري من عالم الطبيعة وكل ما هو جميل تابع وأستمتع
قسم اللايت سي LIGHT C قسم خاص بمعلومات اللايت سي - أجمل روابط رسالة المالك  - روابط تحميل جديدة

    النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) ورسالته

    مخلد الشيباني
    مخلد الشيباني
    Admin


    عدد المساهمات : 198
    تاريخ التسجيل : 12/07/2012
    العمر : 42
    الموقع : العراق - بغداد

    النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) ورسالته Empty النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) ورسالته

    مُساهمة  مخلد الشيباني الجمعة يوليو 13, 2012 12:43 pm


    العالم في ذلك الوقت أحوج ما يكون إلى رسالة . وإلى رسول .
    فهذي عربٌ تئد البنات وتقول : نِعْمَ الصهرُ القبر . وتُكثر الحرب ، وتحسب أنها مفخرة للإنسان . وتؤمن بالخرافات بالكهّان والعرّافين ، وتعبد الأصنام وقد شاع بها الظلمُ ، فهناك طائفة من المستغلين الذين لايعرفون للطمع حدوداً ، ولا للاستغلال قيودا . وهناك طائفة من الكادحين الذين تُستنزف جهودهم استنزافاً وتُستثمر قواهم استثماراً . وهذه سائر مناطق الأرض في مملكة الروم ، وفي امبراطورية الفرس ، شاع فيها الفساد والعدوان ، وكثرت فيها الفواحش والموبقات .
    وهؤلاء حكماء العرب الذين يطلعون على الكتب السماوية مثل : ورقة بن نوفل وعبد اللـه بن جحش وعثمان بن الحويرث وغيرهم ، يبشَّـرون بنبيٍّ يُبعث ، وينقذ الإنسانية من هذه الهاوية السحيقة .
    وهؤلاء يهود يثرب يتطاولون على العرب بنبيٍّ يبعث فيهم ويأتي بكتاب عظيم ، ويخضع لدعوته العالم ، فيصبحون أعزاء في الحياة .
    وهؤلاء الكهنة والعرّافون لايزالون ينتظرون النبيّ الذي يكون خاتم النبيين . وسيَّدهم .
    فمن هو هذا النبيَّ ، ومتى يبعث .؟؟.
    هنا في بيت خديجة - بمكة وفي أرض الحجاز - يُعرف رجل لم يشترك في باطل قط ، ولم يعزف عن حق قط . ولم يَعرف الإثم جنابه ولا غاب الخير والصلاح عن رحابه .
    إنَّ هذا الرجل تجتمع فيه جميع مؤهلات الرسالة ؛ وكل ما ذكر في الكتب من علائمها . فهو من أعرق العرب فخراً ومجداً ، ومن أسمى أُسَر العرب شرفاً وكَرماً .. وهو أحسن الناس خُلقاً ، وأفضلهم عملاً ، وأقربهم إلى الحق وابعدهم عن الباطل .
    وقد حدث مرات عديدة ، أن فقدته مكة فَوُجِدَ في غار حِراء يعبد اللـه ويطيعه ، ويمارس نُسكاً خاصة لايعرفها أهل مكة .
    ففي الشمال الشرقي من مكة ، يرتفع جبل النور ، وفيه غارٌ أعتاد النبيّ (ص) أن يظلّ فيه أياماً يواصل
    فيها عبادةً مجهولة عند الناس .
    وذات يوم يروح محمدٌ (ص) إلى حِراء فيرى كلَّ شيء قد تبدّل . فإن روحانية جديدة تشمل كيانه ، وتستوعب شعوره .. وإذا به يرى السماء قد فتحت أبوابها ، والْمَلك على أرجائها ، وجبرائيل يهبط إليه ويقول له : اقرأ .. فيقول له الني ّ : ما أقرأ ؟
    فقال له جبرائيل (ع) :
    { بِسْمِ اللـه الرَّحمنِ الرَّحيم ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأََكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (العلقِ/1-5) .
    وكــــان هذا الحادث في السابع والعشرين من شهر رجب حيث يحتفل المسلمون بعيد " المبعث النبـــويّ " باعتباره بَدْءَ حياة الخير والسعادة للإنسان على وجه الأرض .
    وهكذا بُعث النبي بالرسالة .. وابتدأت مرحلة جديدة من حياته الكريمة ، حيث لم يعد الإنسان الطيب الذي يعمل المعروف فقط ، ويؤدي الأمانة ويصدق الحديث ، ويعيل الأقرباء ، بل أصبح الآن البشير النذير الذي يحمل على كتفه مسؤولية قيادة الإنسان الى كل خير . وصيانته من كل شر .
    كما أنها ابتدأت بالبعثة مرحلة جديدة للجزيرة العربية ، بل للعالم كله . فسوف لايبقى العالم يسوده الظلم والظلام ، والشر والطغيان ، بل ستفتح فيه أبواب الخير التي تنتهي إلى سيادة العدل والنور والخير والمعروف .
    ورجع النبي إلى مكة فبلَّغ خديجة ما جرى له ، وقص عليها القصة فآمنت به ، كما أنه حدَّث بها ابن عمه عليّاً - وهو فتى مراهق كان النبي قد تكفل تربيته - فآمن ثم آمن كذلك جعفر أخو علي .. ثم أعلن النبي (ص) دعوته حينما نزلت هذه الآية :
    { يَآ أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } (المدّثِّر/1-3)
    وابتدأ بعشيرته حيث نزلت عليه آية اخرى تقول : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ } (الشعراء/214) .
    فجاء النبيُّ (ص) حتى وقف على الصفا فنادى : " يا صباحاه . فاجتمعت إليه قريش فقالوا : مالك ؟ قال : أرأيتكم إن أخبرتُكم أنَّ العدوَّ مُصبحكم أو مُمسيكم ، ما كنتم تصدقوني ؟
    قالوا : بلى .
    قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .
    فقام أبو لهب - أحد أعمام النبيّ - وقال : تــبّاً لك ، ألهذا دَعوتَنا !.
    وخطب فيهم مرةً أخرى وقال :
    أيها الناس !. إن الرائد لايكذب أهله . ولو كنت كاذباً لَمَا كَذَبتكم . واللـه الذي لا إله إلاّ هو ، إني رسول اللـه إليكم خاصة ، وإلى الناس عامة ؟ واللـه لَتموتون كما تنامون . ولَتُبعثون كما تستيقظون ولَتُحاسبون كما تعملون ؛ ولَتُجزون بالإحسان إحساناً ، وبالسوء سوءاً . وإنها الجنة أبداً ، والنار أبداً . وإنكم أول من أنذرتم " .
    ولكن لم تكن تلبية القوم إلاّ مثل تلبية أبي لهب . فقد أعرضوا عنه ، واستهزأوا به ، وسخروا بدعوته . أما هو فقد ظلَّ يواصل دعوته بشتى الأساليب ، حتى اشتهر خبرها في مكة وما حولها . وبلغت دعوته بعض النفوس النيِّرة الخيِّرة التي كانت تريد الحق والخير ، فآمنت بها ، واتَّبعتها . بيد أن أكثرية التابعين لها كانوا من الطبقة الفقيرة التي لم تكن تملك لنفسها نفعاً ولاضراً .
    أما سادة قريش وأشرافها .. أما المستغلون المرابون .. أما الذين كانت مصالحهم ترتبط بالأصنام والأزلام . أما ذوو العقول المتحجرة ، والنفوس المتصلبة .. أما هؤلاء فقد اعتبروا هذه الدعوة شرّاً يجب أن يقاوَم وأن يحاربّ بكل وسيلة .
    ولذلك فهؤلاء لم يمتنعوا عن قبول الدعوة فقط ، بل أخذوا يسلكون معها مسلكاً معادياً ، وساروا في جبهة معاكسة تماماً .. فكل من أسلمَ قابلوه بالكبت والإضطهاد ، وحاولوا ردَّه إلى دينهم الخرافي السخيف . فكم من رجل منشرح الصدر ، ومنوَّر القلب اعترف بالنبي ، فتعرّض للتعذيب والتنكيل من جانب قريش ؟ وكم من عبد أو أمة آمن بالرسالة فَهُدِرَ دَمُه ومات فداء إيمانه ! فهذا عمار قد عذَّبوه ونكَّلوا به . وهذا ياسر أبوه ، وهذه سُميّة أمّه قد قتلوهما قتلاً !.
    ولم يكن نصيب النبي (ص) من هذا التعذيب والأذى قليلاً . فإنه كان كلما سمع أنَّه عُذِّب أو أوذيَ أحدٌ في سبيل دعوته تألَّم وتأثَّر ، ولربما فاضت عيناه بالدموع .. وبالإضافة الى ذلك فقد كانت قريش تتعرض للنبي بالذات ، إذ كان أبو لهب يرمي النبيّ بالحجارة ، وكانت زوجته تُلقي في طريق الرسول الأشواك . وكان أبو جهل يحاول إثارة غضبه بإلقاء الغرث على رأسه وهو في الصلاة ، أو يرمي القذر في طعامه وهو يأكل ؟2
    وشجَّ أحد الكفَّار رأسه الشريف بالقوس حتى جرت دماؤه على وجهه الكريم !. وكان بعض آخر منهم يلطِّخون داره بالأقذار ، وقد يلقون بها في فناء داره ..
    أما السخرية والاستهزاء والتقريع ، فقد كانت تمتلئ بها افواه الكفاّر . ويصبُّونها على النبيَ كلَّ حين !.
    وكــان النبيّ (ص) يقابل كـــلّ ذلك بصبـــر حكيم ، وحلـــم قائـــد . وأنـــاة نبيّ .. فإذا جــــاءت إليه طائفــة من
    الكفّار استقبلهم بكل طلاقة ، ودعاهم إلى الدِّين بأحسن طريق . فإذا لبّوا دعوته يكون ذلك خيرٌ ، وإلاّ فانه كان يطلب منهم أن يأتوا بمثل ما أتى به من القرآن .. ثم يتلو عليهم : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الاسراء/88) .
    ولطالما كانوا يسخرون منه ويستهزئون بدعوته ، فكان يعظهم ويدعو اللـه لهم بالهداية دون ان يغضب أو يثور .
    وكان في بعض الأحيان يتجوَّل في العشائر والمجامع ، ويدعو الناس إلى ربهم . بيد أن كفار قريش كانوا يعرقلون طريق دعوته بأمرين :
    الأول : أنهم كانوا يحذرون الناس من ان يتأثروا بدعوته قائلين لهم : إنَّ الرجل منّا ، وهو ساحر ومجنون أو كذّاب . حتى أن الناس كانوا يضعون القطن في آذانهم لكي لايسمعوا قول النبي (ص) .
    الثاني : أنه كان يسير خلفه رجل منهم ويصيح إنه كذاب فلا يُسمع قولُه ، ولا تُلَبَّى دعوتُه .
    وعجز كفارُ قريش عن أن يمنعوا سير الدعوة الحثيث واشتهارها بهذه المعارضات . ففكّروا في انتهاج مسلك آخر في منع الناس عن الإسلام ، فجاؤوا إلى النبيِّ (ص) وقالوا له : يا محمد شتمت الآلهة ، وسفَّهــت الأحلام ، وفرَّقت الجماعة . فإن طلبت مالاً أعطيناك ، أو الشرف سوَّدناك ، أو كان بك علة داويناك .
    فقال (ص) : " ليس شيء من ذلك ، بعثني اللـه إليكم رسولاً ، وأنزل كتاباً فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه أصبر حتى يحكم اللـه بيننا " .
    وفكروا هذه المرة بأن يستأصلوا الشجرة الطيبة من أصلها وأن يغتالوا النبيَّ (ص) نفسه ، بيد أنَّه كان يومئذ يأوي إلى ركن شديد ، وسندٍ قويّ ، لم يقتدر الكفار أن يأتوا عليه ، وهو عمُّه وناصره أبو طالب سيد قريش وشيخ بني هاشم . فحاولوا أوّل الأمر إغراء أبي طالب فقالوا له : إننا نعطيك ولداً وسيماً من أبنائنا ونأخذ محمداً ونقتله . فقال : ما انصفتموني . آخُـذ ولدكم فأُطعمه وأسقيه ، وتأخذون ولدي فتقتلونه . فقالوا له : إنَّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفَّه أحلامنا ، وضلل أباءنا . فإما أن تكفه عنّا ، وإمّا أن تخلِّي بيننا وبينه فنكفيكه .
    لكن أبا طالب الذي لم يشك في صدق مقالة ابن أخيه والرسول المبعوث إليه ، ردّهم ولم يقبل أيَّ واحد من اقتراحاتهم ؛ وخاطب النبيَّ (ص) قائلا : أُدع إلى ربّك . فإني لن أتخلَّى عنك أبداً ..
    وحينما رأت قريش أن أبا طالب لن يتخلى عن النبي ، دبّرت له خطة أخرى ، حيث أجمعت أمرها على مقاطعة النبيِّ وكلّ من يؤازره من بني هاشم . وكتبوا صحيفة بشأن هذا القرار ، ومنعوا الناس من أن يبيعوا شيئاً إلى بني هاشم . فجمع أبو طالب بني هاشم وجعلهم في شِعْبٍ كان له في أطراف مكة ، وبقوا هناك ثلاث سنين في اشدّ ما يكون من سوء العيش . وأكثر ما يكون من الخوف والقلق ، حتى أن أبا طالب كان يبدل فراش النبي في كل ليلة مرات خوفاً على حياته الكريمة .
    وشاء اللـه بأن تنقضي مدة هذا النفي فأمر بالأرضة " وهي دابة صغيرة " بأن تأكل الخطوط الملعونة التي رسمت على الصحيفة . فأكلتها ، وأَلْهَم نبيَّه بشأن ذلك ، فأخبر النبيُّ أبا طالب (ع) - وهو بدوره - ذهب إلى الكفار وحدثهم بذلك . وقال إن ذلك علامة صدق ابن أخي في ادّعائه الرسالة ، وكذبكم في إنكاركم أمره .. فجعلوا الاطلاع على الصحيفة حكماً بينهم فإن كانت الصحيفة كما أخبر الرسول أخرجوهم من المنفى ، وإن لم تكن فإنهم ماكثون فيه .
    وحينما اطَّلعوا عليها وجدوها كما أخبر الرسول . فخرج بنو هاشم من المنفى منتصرين . وتمَّ بذلك عهد كان من أشد العهود على النبيِّ وآله . وأصعبها جميعاً .
    وإنّ الضراء التي مست الأسرة الهاشمية في منفاها بِشِعْب أبي طالب كانت شديدة للغاية . ولذلك فإن خسارتها كانت بالغة وكبيرة أيضاً ، حيث نتج عن الحصار الإقتصادي والإجتماعي على بني هاشم موت خديجة زوجة النبي (ص) ، وموت أبي طالب عمه وكفيله .
    لقد كانت خديجة شريكة النبيِّ (ص) في كلّ آلامه وآماله ، والمسلّية له بما أصابه من أذىِ ، بل كانت المعينة له على مكاره قريش ، كما كان أبو طالب حامي النبي الذي كان قد ألقى بينه وبين أذى قريش حجاباً ثقيلاً .
    لقد كان أبو طالب سيّد قريش وشيخ بني هاشم ؛ وكان له حق مشروع في الدفاع عن النبيّ محمد (ص) في منطق النظام الإجتماعي السائد في تلك الأيام ، حيث إنه كان يعتبر النبيَّ ابناً له . والمرء يمكنه الدفاع عن ولده في ذلك النظام بكل أسلوب وفي جميع الأحوال حتى ولو كان ابنه خارجاً عن طريقة أهل البلاد ودينهم .
    فموت أبي طالب وخديجة كان بمثابة هدم حصن حصين ذي ركنين ثابتين بالنسبة إلى النبي (ص) في تلك الظروف ، ولذلك سميت تلك السنة بعام الحزن . وحيث اشتدّ فيه حزن النبيِّ وتاثره بموت حامِيَيهِ والمدافعين عن دعوته ورسالته . وكان ذلك بين العام السابع والثامن من البعثة .
    واشتدت الأزمة بالنبي (ص) بعد وفاة أبي طالب . لأن قريشاً أجمعت أمرها على سحق المسلمين ومحق الدعوة الإسلامية ، فقامت بضغط عنيف على المسلمين ، وبأذىً كثير للنبيِّ (ص) وحاولوا مراتٍ عديدةً قتله إلاّ أنَّ اللـه منعه منهم . فأخذ النبي (ص) يعدّ تدابير لهذه الأزمة المحيطة به وبالمسلمين .. فبــالنسبة إلى المسلمين أمرَهـم بالهجـرة إلى الحبشـــة .. وقـــد تمـــت هذه الخطة بترحيــل طائفتيــن كبيرتيـــن منهم إليها عن طريق البحر ، فتخلصوا من شرّ الكفار وكيدهم ، وقد آواهم ملك الحبشة . وأكرم وفادتهم .
    وأما بالنسبة إليه نفسه (ص) فقد ذهب إلى الطائف - وهي مدينة قريبة من مكة تقطنها ثقيف القبيلة الكبيرة - لعله يستطيع أن يهدي أهلها فيمنعوه من قريش . بيد أن هذه الخطة لم تحظ بنجاح ، فقبيلة ثقيف لم تقبل الإسلام ، بل سلّطت سفهاءَها وجُهَّالها على النبي (ص) ؛ فآذوه شر أذية وأرسلوا إلى مكة ينقلون إلى قريش قصة دعوته لهم إلى الإسلام ، فاستعدت قريش له من جديد ، فلم يأمن النبي (ص) يومئذ على نفسه من الرجوع إلى مكة بصورة عادية ، فاضطرّ إلى أن يراسل بعض سادات قريش ورؤسائها يطلب منهم أن يجيروه من قريش ، فأجاره واحد منهم حتى جاء إلى مكة تحت حمايته .
    وعرف النبي (ص) أخيراً أن أهل مكة لايمكن أن يكونـــوا الحاملين للرسالة الإسلامية المقدسة إلى الآفاق ، لأنَّ دعوته الملحَّة المستمرة التي ظلت فيها زهاء عشر سنوات لم تجده نفعا أبدا ، ولم تُنتج غير اصرار من الكفار وعناد بالغين .
    فصمَّم على نشر الدعوة بين سائر القبائل العربية الأخرى ، فإذا استطاع أن يهدي قبيلة واحدة ذهب إليها وظلّ ينشر نور الإسلام من خلال أفرادها . فأخذ يدعو الناس في المواسم التي كانت العرب تتدفق فيها على مكة لغرض العبادة أو التجارة فيذهب إلى القبيلة ويقول لها :
    " يا بَني فلان : إني رسول اللـه إليكم ، وأنا آمُركم أن تعبدوا اللـه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد ، وان تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني حتى أبيِّن عن اللـه ما بعثني به " .
    وكانت قريش ترسل وراءه من يعقّب على كلامه بتحذير العرب من طاعته ، وتهجّن دعواه ، وكان عمّه أبو لهب يتولى هذه المهمّة في أغلب الأحوال .
    أما القبائل العربية فكانت تتعصّب لآلهتها المزعومة ، وتؤثر البقاء على تقليد الآباء . كما كانت تحذر من قريش إذ لو كانت تُسلم لكانت تتعرض لحرب قريش قطعاً . فكانت تردّ النبي ولا تقبل دعواه وتردُّه إما ردّاً جميلاً أو قبيحاً .
    إلاّ أن قبيلة واحدة استجابت إلى دعوة النبي (ص) ، تلك كانت القبيلة العربية الساكنة في يثرب ، والتي كانت منقسمة إى طائفتين . الأوس والخزرج ، وكانت الحرب بينهما قائمة على أشدها ، وكانوا قد ملّوها .
    نعــم ، استجاب أهل يثرب إلى قول النبي (ص) وقبلـــوا دعوته . وبذلك أخذ الإسلام ينتشر في المدينــة " يثرب " انتشار الضياء بعد ليل طويل .
    وتمّــت بيعة مسلمــي المدينة الثانيـــة مع محمـــد (ص) في العقبــــــة بمنى فــي السنــة الثانيــة ، وتمــت بهـــا
    الاتفاقية العسكرية بين النبي وأنصاره من أهل المدينة . وكان اللازم بموجبها على المسلمين من أهل المدينة الدفاع عن النبي (ص) وعن سائر المسلمين من أتباعه بكل ما لديهم من قوىٍ حربية .
    وابتدأ النبي (ص) بتنظيم الهجرة الى المدينة . فأخذ يرحّل أصحابه إليها واحداً بعد آخر على حين غفلة من كفّار قريش .
    وحينما سمع الكفّار بذلك قالوا في ما بينهم : إنَّ المسلمين إذا اجتمعوا في المدينة ، كَوَّنوا قوةً معارضة تكلفنا كثيراً من المال والدم .. ففكروا في إعاقة الهجرة بمنع المسلمين ترغيباً أو ترهيباً .. بيد أنَّ المسلمين أخذوا يفلتون من أيديهم تحت أجنحة الظلام وفي غياهب الليل .. فقال الكفَّار لأنفسهم : إنَّ النبيّ لايزال بين ايدينا ، وليس له منعة عنّا . فلو هاجر إلى المدينة وجمع أنصاره حوله ، فهنالك يصبح من الصعب القضاء عليه . فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في الأمر . حتى استقر رأيهم على أن يأتوا من كل قبيلة برجل ، ثمَّ يهجموا على النبيِّ هجمةً واحدةً فيقتلوه ويضيع دمه بين قبائل العرب ، فلا يستطيع بنو هاشم من أخذ الثأر منهم .
    واختاروا من كل عشيرة رجلاً ، فجاؤوا وأحاطوا بدار النبيِّ (ص) ، ولكن الوحي نزل وأمره بأن يتخذ الليل جملاً مهاجراً إلى المدينة ، ثم أوضح له كل شيء من تدابير قريش وخططهم .
    فجعل النبي الإمام عليّاً مكانه يبيت في فراشه لكي يظن الكفار ان النبيّ (ص) موجود فيشتغلوا به ويخرج هو من طريق آخر .. فبات الإمام على فراش الموت ينتظر المصير الكائن .. بينما ذهب النبيّ يلتمس طريقه إلى غار ثور .. حيث بقي هناك وقتاً كافياً ثم سار إلى المدينة على غير الجادة ، لكي لا تلحقه قريش أو عملاؤها الذين جعلت لكل من أخذ محمدً منهم مقداراً كثيراً من المال .
    وعندما وصل النبيّ إلى المدينة احتفلت احتفالاً رائعاً بقدومه ، وسارت فيها مواكب السرور بأهازيج الفـرح .
    وتمت بذلك الهجرة النبويَّة التي كانت بداية حياة جديدة للمسلمين ، حياة العزة والمنعة ، وحياة الدفاع عن حقوقهم ، والجهاد لأعدائهم ، وحياة التوسع والانطلاق إلى آفاق العالم .. وفي الواقع كانت الهجرة بدء تكوين الأمة الإسلامية الموحدة ولذلك اتخذ المسلمون منها بدء تاريخهم الديني ، لأنها كانت أهم الأحداث بالنسبة إليهم .
    وبقيت في مكة طائفة من المسلمين تَمَّ ترحيلُهم ايضاً بقيادة الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، بعد التغلب على صعوبات شديدة . وهناك فكّرت قريش في أساليب أخرى للقضاء على الإسلام والمسلمين بعد ما فات وقت الأساليب السابقة .
    الأساليب الجديدة كانت توجز في خطتين اتبعتهما قريش الواحدة تلو الأخرى :
    الخطة الأولى : كانت بعث رسائل إلى أهل المدينة يريدون فيها منهم تسليم محمد (ص) إليهم مع شيء من الترهيب والترغيب ، بيد أن المسلمين هزئوا بهذه الفكرة ، وسخروا من أهلها ، وبعثوا بقصيدة هجائية إلى قريش بيَّنوا بها جوابهم الصريح بعد أن أثبتوا حقيقة النبي (ص) وحقيقة قريش التي تناوئه .
    والخطة الثانية : وضع الحصار الإقتصادي على المدينة حيث كانت لقريش كل التجارة العربية .. وكانوا قد أمَّنوا طرق تجارتهم بالتحالف مع القبائل البدوية التي كانت تسكن في طريق الشام وطريق اليمن . فأصدروا إليها بياناً حظروا فيه بيع المواد الغذائية لأهل المدينة ، أو الإجازة لمرور القوافل التجارية لأهل المدينة التي ترمي إلى استيراد المواد إليها .
    وأما النبي (ص) الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن المدينة والذي كان يرى أن الحصار الإقتصادي الذي ابتلي به أهل المدينة إنما هو لأجله وبسببه . فإنه دبر خطة دفاع عن هذا الحصار بما سيأتي من أمر غزوة بدر ، إلاّ أنه يجب علينا أن نلقي نظرة عاجلة على حالة أهل المدينة وامكانيتهم المادية والمعنوية قبل الحديث عنها .
    فقد جاء النبي (ص) إلى المدينة فوجد فيها عناصر ثلاثة :
    1- المسلمون : وهم يتألفون من أوس وخزرج ومهاجرين ، وكل منهم يختلف عن الآخر .. فاستطاع النبي (ص) أن يصهرهم في قالب واحد ، حتى صاروا أخوة متألفة قلوبهم ، متراصة صفوفهم ، وأصبحوا " أمة واحدة كأسنان المشط .. في التساوي والتعاون " .
    2- المنافقون : وهم طائفة كبيرة من العرب . أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر . وقد قدر النبي (ص) على أن يشل حركات هذه الطائفة ونشاطاتها باللُّطف حينا ، وباعطائهم بعض المناصب التي تشغلهم ، وبعض المسؤوليات التي تسدّ فراغهم حيناً آخر .. واشترك الوحي في تقويمهم بالآيات التي نزلت في المنافقين وكانت تؤكد على { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } (النساء/145) .
    3- اليهود : الذين كانوا قوة رهيبة يملكون من المال والسلاح والحيلة الشيء الكثير . ولقد وضع النبي (ص) اتفاقيات سياسية وعسكرية معهم ، تضمن للفريقين التعايش السلمي والدفاع المشترك عن البلاد وأهلها .
    وكانت مسؤوليات الرسول (ص) في المدينة أكثر منها في مكة ، وإن كان الضغط هناك أكثر . حيث كان الرسول يريد أن يكوِّن أمة ، قبل ان يشيد دولة . فمسؤولية التبليغ لغير المسلمين ، ومسؤولية تهذيب المسلمين ، ومسؤولية تطبيق نظم الإسلام ، ومسؤولية الدفاع عن المسلمين في الجزيرة العربية التي كان شعارها الحروب والغزوات ، ودثارها السيوف والرماح ، هذه المسؤوليات كانت بعض ما أخذ النبيُّ (ص) على عاتقه أداءها من المسوؤليات الخطيرة . ففي نفس الوقت الذي كان النبيُّ (ص) يقود الجيش الإسلامي إلى جبهات القتال كان يوصيهم بأداء الأمانة والوفاء بالعهد ولو مع العدو اللدود . وفي نفس الوقت الذي كان يلقنهم دروس التضحية والجهاد للدين ، كان يشرح لهم معاني العفو والصفح ، واشاعة السلام وإطابة الكلام . وفي نفس اللحظة التي كان يتولَّى دفن الشهداء في أُحُد وقد مُثِّل بهم شرَّ تمثيل فامتلأت قلوب المسلمين حقداً على الكفار وغيظاً وأملاً بالثأر ، كان النبي (ص) يتلوا عليهم آيات العفو وتحريم المثلة ولو بالكلب العقور ..
    ومن كل هذا نكتشف مدى خطورة مسؤولية النبيِّ (ص) التي كانت تهدف إلى تكوين الأمة الموحدة ، كأفضل وأمجد أمة في الحياة .
    وهنا نرجع الى الحصار الإقتصادي الذي ضربه كفّار مكة على المدينة لنعرف ما كان موقف النبيِّ (ص) وكيف فكه عنها .
    فالخطة التي اتَّبعها النبيُّ (ص) في رد هذا الحصار كان شيئا مماثلاً .. فالقوافل التجارية التي كانت تريد أن تسير إلى الشام من مكة كان الواجب عليها أن تقطع المضيق البرّي بين البحر الأحمر والمدينة . فجعل النبيُّ (ص) سرية مسلحة لمراقبة هذه المنطقة .. وكانت هذه السرية من المهاجرين حيناً ومن الأنصار حيناً آخر ، وكانت وظيفة هذه السرية منع القوافل التجارية . ولكن القوافل هذه كانت قد تعاهدت مع القبائل البدوية في الطريق على أن تمنعها من المهاجمات التي كان يقوم بها قراصنة الصحراء ، على أن تعطي القوافل التجارية لها ضرائب معلومة كل سنة . ولذلك فقد فشلت هذه الخطة مرات عديدة حيث كانت هذه السرية المسلحة تريد التعرض للقوافل ، فكانت القبائل البدوية تدافع عنها بحجة المعاهدة التي بينهما .
    بيد أن النبي (ص) ذهب الى هذه القبائل البدوية العربية وعقد معها اتفاقية في شأن الأمور الحربية ، وبذلك أَمِنَ من دفاعها عن قوافل مكة .
    وأرسـل النبيّ (ص) طائفة من أصحابه إلى موضع بين مكــة والطائف ليترصدوا له قافلة قريش التجارية ، فكتب رسالة مختومة وأعطاها قائد هذه الطائفة المدعو بـ " عبد اللـه بن جحش " وقال له : اذهب في اتّجاه مكة ، فإذا سرت يومين فافتح الكتاب واعمل بما فيه . فلما فتحه وجد فيه ما يلي :
    إذا نظرت كتابي هذا فامضِ حتى تنزلَ نخلَة بين مكة والطائفة فتَرصد بها قريشاً وتَعلم لنا من أخبارها.
    فذهب إلى نخلة ورأى قافلة تجارية تمر بها في طريقها إلى مكة ، فاستولى عليها . وأتى بها إلى المدينة بعد أن أسر منها رجلَين وقتل رجلاً وهرب آخر .
    والنبيُّ (ص) وإن كان لم يرضَ بفعل هذا القائد إلاّ أنه استفاد من هذا المال .. في حين كان أحوج ما يكون إليه . كما أنه ربح الموقف بإلقاء الرعب في قلوب الكفار .
    وقاد النبيُّ (ص) السرية المسلحة في المرة الثانية ، وأخذ يراقب بنفسه الركب التجاري لقريش وسمع غير مرة بمسيرة قريش للتجارة . وخرج إليها . غير أن الركب كان قد فاته ولم يلحق به .. ولقد سبق أن قلنا : إن إعاقة مسير قريش للتجارة كان دفاعاً مشروعاً للنبيِّ ، باعتباره عملا مماثلا لمنع القوافل التجارية عن أهل المدينة ؛ وفكّاً للحصار الإقتصادي ، وإدانة لقريش مقابل ما استولوا عليه من أموال المسلمين في مكة ولم يرضوا إعطائها لهم .
    وذات مرةٍ خرج النبيُّ (ص) لهذه الغاية - حيث سمــع بركب قرشي للتجارة فخرج إليه ليستولي عليه - فوصل الخبر إلى الركب ، فأرسل بخبر ذلك إلى مكة واستنفرهم بأن أموالهم في خطر والعرب في مكة كانوا يفدون أنفسهم لأموالهم ، ويبذلون أرواحهم في سبيل حفظها ، فحينما سمعوا بالنبأ ، وهو أن محمداً (ص) يتعرض لأموالهم ، خرجوا إليه مسرعين نحو المدينة .
    وكان أبو سفيان يتولى رئاسة القافلة التجارية ، فتنكب بها عن الطريق حتى سيّرها على ساحل البحر الأحمر بعيداً عن النبي (ص) وعن سريته المسلحة ، وأنقذها بذلك من سيطرة واستيلاء المسلمين عليها.
    وأما كفّار قريش فإنهم ساروا إلى جهة المدينة . ومع أنهم سمعوا بنجاة القافلة التجارية ، فإنهم لم يسمحوا لأنفسهم بالرجوع إلى مكة إلاّ بعد إبادة المسلمين وكسر شوكتهم .
    وكان النبيّ (ص) لايزال في طريقه إلى مكة - وهو يطلب عير قريش - وقريش في طريقها إلى المدينة تريد إبادة المسلمين ، فالتقيا على ماء كان يسمى ببدر ولم يكن النبيُّ (ص) قد استعد للحرب ، بل كما سبق كان هدفه الاستيلاء على أموال التجارة القرشية . ومع ذلك فإنه رأى رجوعه إلى المدينة انهزاماً ، ولم يسمح لنفسه بذلك حتى لايدبَّ الطمع في قلوب الكفّار بالقضاء على المسلمين .
    وكانت هذه أول حرب يخوضها المسلمون وكانت في السنة الثانية من الهجرة ، وكان عدد الكفار يتجاوز تسعمائة وخمسين رجلا ، بينما لم يكن عدد المسلمين يبلغ أكثر من ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، ومع كل ذلك فقد ربحها المسلمون وألحقوا خسارات فادحة بأعدائهم وهزموهم بإذن اللـه .
    لقد كان التكتيك الحربي في الجزيرة العربية لايعدو عن مقابلة الفرد بالفرد في مشهد ينظر إليه الفريقــان ، حتى إذا قتل الأبطال ، هاجم الفرد ، أو الجبهة - الجبهــة المعاديـــة - حتى ينهزم أحد الفريقين .
    بيد أن النبيَّ (ص) اتبع في حرب بدر طريقة جديدة حيث شكَّل مثلثاتٍ حربيةً فريدةً من نوعها . وذلك بأن أمر باصطفاف المسلمين على شكل مثلث كبير على شرط أن يكون ظهر كل فرد داخل المثلث - أي إلى سائر أفراد المثلث - ووجهه إلى الخارج - أي إلى الكفار - .
    ولقد نصره اللـه بجنودٍ من الملائكة أنزلهم لِنُصرة نبيَّه (ص) فانهزم الكفّار بعدما قُتل أبطالهم على يد الإمــام علي بن أبي طالب (ع) . وانجلت الحرب عن سبعيــــن قتيلاً من الكفّار أكثرهم من رؤسائهم وأبطالهـــم ، وأربعة عشر شهيداً من المسلمين ، ثمانية منهم من الانصار ، وستة من المهاجرين .
    وهذه الحرب الدامية فتحت باب الحروب بوجه النبي (ص) ، الذي تصدى لها ببسالة وصمود .. فجعلت قريشا موتورة بقتلاها ، وطالبة لثاراتها ؛ كما جعلت المسلمين مؤمنين بنصر اللـه لهم وقدرتهم على صد كلَّ هجومٍ مسلَّح من أيِّ طراز كان .
    وهذه الحرب دعت قريشاً إلى حبك المؤامرات الكائدة للنبيِّ (ص) . فقد أرسلت ببعض أبطالها إلى المدينة خفية للغدر بالنبي وقتله . بيد أن اللـه تعالى فضحه . فلما جيء به إلى النبي (ص) وتكلم النبي معه وأخبره بالمؤامرة تفصيلاً اسلم الرجل الذي كان يدعى " عمير بن وهب " وذهب إلى مكة داعياً للإسلام متحمساً نشيطاً .
    وهكذا فشلت هذه المؤامرة الماكرة .
    ثم قامت قريش بمحاولة فاشلة أخرى ، إذ خرجوا وهم مائتا نفر يقودهم أبو سفيان ، وأغاروا على المدينة ليلاً فقتلوا رجلَين . فلما لحقهم المسلمون بقيادة النبيّ (ص) ولَّوا هاربين ، وخلفوا بعض أمتعتهم ليخففوا عن أنفسهم في السير .. وتسمى هذه الغزوة بـ " السُّوَيق " حيث إن المسلمين غنموا من السويق ما كان زاداً للكفار .
    وأخذ أبو سفيان قيادة قريش هذه المرة ، إذ نصب لواء الكفر وحشد تحته خمسة آلاف رجل مقاتل ، وزحف نحو المدينة . فلما بلغ جبل أُحُدٍ على بعد كيلو مترات من المدينة ، تصدّى له الرسول (ص) بجيش لم يتجاوز عدده ستمائة محارب . ووضع النبيُّ خطة حربية باهرة ، إذ اتَّخذ من الجبل ظهراً للجيش ، وجعل على ثغور الجبل الذي وراءَه سريّة برئاسة " عبد اللـه " وأمرهم بأن لايغادروا موقعهم الحـربي الخطير مهما كان الأمر ، غلب المسلمون أو غُلِبوا ، ثـــم أمر المسلمين بالهجوم الموحد على الكفـــار .
    والكفار الذين لم يكونوا يعرفون نظام الهجوم الموحّد لأنهم لم يروه من ذي قبل انهزموا بعد ساعات من الاشتباك الدامي ، فاستولى المسلمون على امتعتهم - فرأى أهل الثغور خلف المسلمين فوق جبل اُحُد رأى هؤلاء ان اخوانهم - في تقدم باهر وفي جمع الغنائم فنزلوا عن الموقع الخطير واشتركوا في جمع الغنائم . وكلما ناشدهم قائدهم عبد اللـه بالبقاء لم يقبلوا منه ، وحينما رأى الكفَّار ذلك داروا من خلف الجيش الإسلامي ، وهجموا على ما بقي من أصحاب عبد اللـه - صاحب الثغر - بقيادة خالد بن الوليد وكان في جيش قريش ، وقتلوهم وهجموا على المسلمين من ورائهم ونادوا بالكفار المنهزمين ليرجعوا . فأحاط جيش قريش بالجيش الإسلامي ، وهرب القسم الأكبر من المسلمين . بيد أن الذين بقوا مع النبيِّ والإمام علي عليهما الصلاة والسلام وطائفة أخرى من المسلمين المخلصين ، ربحوا الموقف . وأخيراً قتل الإمام عشرة أفراد من حاملي ألوية الكفار حتى وقع لوائهم وانهزموا راجعين ..
    وبعد ذلك غنم المسلمون غنائم كثيرة .. مع أنهم خسروا خسارات باهظة ، مثل قتل حمزة بن عبد المطلب الشجاع البطل والقائد الثالث للقوات الإسلامية بعد النبيِّ والإمام عليّ ، والذي سمَّاه النبيُّ (ص) " بسيد الشهداء " .
    وجمع أبو سفيان فلول جيشه وعسكر في بعض المواقع بين مكة والمدينة . فخرج الرسول (ص) إلى الروحاء مع كل ما لحقه من خسارات الحرب الباهظة ، وكل ما أضر باصحابه من متاعبها ومصاعبها . وحينما وصل إليه هابه ابو سفيان وفرَّ هارباً إلى مكة .
    وكان خروج النبي هذا كسباً للموقف بعد خسارته ، وإرجاعاً لمكانة الجيش الإسلامي في نفوس أعدائه بعد زوالها .
    ثم بعد مدة جمع أبو سفيان ألف مقاتل وزحف بهم إلى المدينة ، فلما سمع النبيُّ (ص) بخبره خرج حتى بلغ بدراً ولكن الكفار لما سمعوا بذلك ولَّوا هاربين ولم يبق من أمر كفار قريش مع النبيِّ إلاّ غزوة واحدة فقط ، وهي غزوة الخندق التي اشترك فيها قريش وغيرها .
    وقاد هذه الغزوة ابو سفيان بوصفه قائداً للقوات العربية في مكة ، حيث جمع قريشاً والأعراب وتحالفوا مع بعض اليهود في المدينة ، وجاؤوا إلى إبادة المسلمين .
    والحروب التي خاضها المسلمون في حياة النبيِّ (ص) كانت تنقسم إلى ثلاثة أنواع :
    الأول : الذي كان بينهم وبين قريش .
    والثاني : الذي كان بينهم وبين اليهود الساكنين في حصون اليهود حول المدينة .
    والثالث : الذي كان بينهم وبين سائر الأعراب الذين تصدوا لمنع تقدُّم الإسلام ، ووقفوا أمام انتشاره .
    وقد اجتمعت الحروب بأنواعها الثلاثة في غزوة الخندق . ولذلك سميت بـ " الأحزاب " أيضا ، حيث تحالفت قريش مع " بني سليم " و " أسد " و " فزارة " و " أشجع " و غطفان " ومع " بني قريظة " . وبعض يهود المدينة تحالفوا جميعا على محاربة النبيّ (ص) .
    وحينئذٍ تمَّ رأي المسلمين على أن يبقوا في المدينة ، ويحفـــروا بينهم وبين الأحزاب خندقاً عميقاً وعريضــاً .
    وجــاءت الجيوش المعادية كالسيـل الهادر يملأ السهل والجبل ، فرأوا الخندق فقالوا : هذه حيلة جديدة . وجاء شجعانهم ، وهما : " عمرو بن عبد ودّ ، وعكرمة بن أبي جهل " واقتحما الخندق حتى توسَّطا بينه وبين المسلمين .. فأخذا يطلبان المبارزة فتقدم الإمام علي بن ابي طالب (ع) إلى أشجع العرب في زمانه عمرو بن عبد ود فقتله . وبموته ساد الرعب في صفوف الكفار . وتبادل الفريقان المُراماة بالسهام . وبقيت الجيوش الكافرة أكثر من عشرين يوما ، ثم رجعوا على أعقابهم خائبين بعدما كلفهم الأمر خسائر معنوية ومادية كثيرة .
    وشاع في الجزيرة العربية خبر صمود المسلمين أمام القوى مهما تضاعفت وتجمَّعت . فهذا جيش الإسلام لم يتجاوز عدده ثلاثة آلاف ، بينما الكفار كانوا عشرة آلاف . ومع ذلك كان النصر للإسلام .
    وبغزوة الخندق انتهت السلسلة الكبرى من حروب النبيِّ (ص) مع قريش . ولم يخض النبي بعدها أيَّة معركة ، إلاّ فتح مكة التي لم تكن حرباً في الواقع بل كانت انتصاراً وغلبة نهائية للمسلمين على الكفار .
    وبقيت هناك سلسلتان من الحروب الإسلامية .
    الأولى : حروب المسلمين مع اليهود .
    والثانية : حروبهم مع القبائل العربية الأخرى .
    أما حروب المسلمين مع اليهود فَتُوجَزُ بما يلي : اليهود كانوا أحجاراً ناتئة ناشزة وضعت في الجزيرة العربية لترد ما لحقهم من سيوف الملوك والسلاطين . وكانت الأكثرية الساحقة منهم يسكن في المدينة ، وهم بنو قينقاع وبنو النضير ، وبنو قريظة ويهود خيبر ، ويهود فدك ، ويهود وادي قرن ، ويهود تيماء .
    فأما بنو قينقاع فقد كانت قبيلة مهنية تستولي على صياغة الجزيرة .. وقد ذهبت امرأة من المسلمين عند أحد الصاغة منهم فراودها ليكشف عن وجهها فأبت فعمد اليهودي إلى طرف ثوب المرأة فعقده إلى ظهرها من حيث لم تعلم المرأة بذلك . فلما قامت انكشفت سوأتها فضحك اليهودي منها ، فصاحت تستصرخ المسلمين . فوثب أحد المسلمين وقتل اليهودي ، فاجتمع اليهود وقتلوا ذلك المسلم .
    ثم احتدم النزاع بين المسلمين واليهود . وجاء النبيُّ (ص) إلى اليهود ينصحهم بالدخول إلى الإسلام وقبول نُظمه المقدسة ، فاستهزأوا به ، وطلبوا النزال . فذهب الرسول إلى حصونهم وحاصرهم خمسة عشر يوما فانتهى إلى الصلح مع النبيِّ بالخروج عن المدينة مع أموالهم وذراريهم وخلفوا تركاتهم وأمتعتهم لتكون للمسلمين ففعلوا ذلك وذهبوا إلى أطراف الشام .
    واما بنو النضير ، فقد كانت قبيلة ثريّة تعطي أموالها قرضاً للناس ، فذهب النبيُّ (ص) إليها يطلب منها القرض . فأرادوا اغتياله ، حيث أصرُّوا عليه بالدخول إلى دورهم فأبى ذلك ، واتكأ على الحائط فأرادوا القاء حجر الدفن على رأسه من فوقه . فتنحى عنه ، ورجع إلى المدينة قبل أن يقترض منهم ، وارسل إليهم أن اخرجوا من دياري حيث نقضتم ميثاقي . وقد أجَّلتكم عشرة ايام . فأخبروا النبيَّ (ص) بأنهم لن يخرجوا فليفعل ما شاء .
    فخرج النبي (ص) إليهم ، وحاصرهم وهدم مساكنهم فأخذوا يتنقلون من حصن إلى حصن . حتى ضاق عليهم الأمر فطلبوا من النبيِّ (ص) أن يخرجوا بأثقالهم عن المدينة ، فلم يقبل منهم . فخرجوا وخلَّفوا أموالهم غنائم للمسلمين .
    أما بنو قريظة فإنهم كانوا حلفاء للاوس ، ثم أصبحوا معاهدين مع الرسول (ص) . ولكنهم انضموا إلى الأحزاب في غزوة الخندق .. فبعد انتهاء الغزوة بانتصار المسلمين أمر الرسول (ص) الجيش بالمسير إلى بني قريظة . فجاؤوا حتى حاصروهم مدة خمسة وعشرين يوما . ثم أراد الإمام أمير المؤمنين (ع) أن يقتحم حصونهم . فنزلوا على حكم رسول اللـه (ص).
    فأمر بهم فأُوثقوا . ثم جاء إليه بعض الأوس يستشفعونه في أمرهم فقال لهم : الا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا بلى . فاختاروا سيّدهم " سعد بن معاذ " فلما جاء سعد حكم فيهم بحكم التوراة ( الكتاب المقدس الذي يتبعونه ) بأن يقتل رجالهم ، ويسبي نساءهم ، ففعل ذلك بهم .
    وفي السنة السابعة من الهجرة حيث تم صلح الحُديبية فكّر النبيُّ (ص) في محاربة يهود خيبر الذين كانوا يكثرون الضغط على المسلمين ويعاونون أعداءهم عليهم دائما . فلما سار إليهم الجيش كان لهم حصون سبعة كلها منيعة أشد ما تكون المنعة . فحاصروا الحصون مدةً مديدة .. حتى ضاق اليهود ذرعاً بالحصار . بيد أنهم قاوموا حتى فتح المسلمون تحت قيادة الإمام علي بن أبي طالب (ع) حصونهم واحداً تلو الآخر ، وقتل الإمامُ أشجعَ أبطالهم " مرحب " وقلع الباب الكبير الذي كان يعجز عنه أربعون فارساً ورمى به بعيدا . وانتهت المعركة بقتل مائة من اليهود ، واستشهاد سبعة عشر من المسلمين . وقد غنم المسملون الشيء الكثير من المال والسلاح والأسرى .
    وبعد هذه الغزوة لم يبق لليهود شأن يذكر في الجزيرة العربية فقد أصبحوا - بعدها - عبيداً بينما كانوا قبلها اسياداً .
    ولذلك فإن يهود فدك ويهود تيماء رضوا بأن تكون أراضيهم للرسول (ص) ويعملوا فيها على أن تكون الغلة بينهما نصفين .
    وكانت طائفة من اليهود في وادي قرن لم يستسلموا للنبيّ (ص) فذهب الرسول إليهم ، ونازلهم وحاربهم حتى قبلوا أن يكونوا مثل إخوانهم ..
    أما حروبهم مع سائر العرب فهي كما يلي :
    1- بنو سليم ذهب إليهم الرسول (ص) بعد تجمعهم لمحاربته في موضع كان يسمى بـ " الكدر " ولكنهم تفرّقوا خوفاً منه (ص) .
    2- " بنو ثعلبة " و " محارب " اجتمعوا تحت قيادة رجل كان يدعى بـ " دعثور " في واحة عطفان في أطراف نجد ، فرحل إليهم النبي (ص) وقبل أن يحاربهم اتَّفق أنه (ص) اضطجع على تلّ فعرف بذلك دعثــــور قائد الجبهة المعادية فجاء إليه . ووقف على رأسه شاهراً سفيه وقال من يمنعك مني ؟. فقال النبي : " اللـه " . وفيما أراد دعثور إنزال سيفه دفعه جبرائيل فوقع بجانب التل ، فوثب النبيُّ (ص) وأخذ سيفه ووقف عليه وقال : من يمنعك مني ؟. فقال : عفوك . فعفا عنه النبي (ص) وأسلم ، ودعا قومه إلى الإسلام ولم تقع محاربة قط .
    3- بنو سليم ايضاً أرادوا الحرب فخرج إليهم النبي (ص) فولَّوا هاربين قبل ان يلحقهم .
    4- بنو ثعلبة ومحارب ، وبنو غطفان أيضاً ، اجتمعوا للحرب في نجد ، فلحقهم الرسول (ص) ففرُّوا من وجهه قبل النزال وخلّفوا نساءهم وأموالهم غنيمةً للمسلمين .
    5- البدو في دومة الجندل . وكانت هذه المنطقة قرب الشام ، وكانت هذه القبيلة قد عاشت على السلب والنهب مما قَوَّض الأمن والاستقرار ؛ فذهب النبيُّ (ص) لتأديبهم بيد أنهم فرّوا هاربين قبل بلوغ النبي (ص) إلى هناك .
    6- ومن هذه الحروب الحرب التي قامت بين المسلمين وبين الكفار في مؤتة .. وانتهت بغلبة المسلمين بعد تحملهم خسارات فادحة . ولكن هذه الحرب لم تكن تختص بالنبي مباشرة ، ولذلك فإنا نُعرض عن ذكرها كما نُعرض عن ذكر سائر الغزوات التي قام بها الجيش الإسلامي دون أن يشترك فيها النبيّ (ص) ،. ونعطف إلى ماهو المهمّ من أعماله (ص) في الحقلَين السياسي والديني .
    وإليك موجزاً لأهم الأحداث السياسية والدينية :
    صلح الحديبية : منذ أن أخرجت قريش المسلمين وعلى رأسهم رسول اللـه (ص) عن وطنه مكة ، كان يشتاق إلى الرجوع إليها ، لأنها البلد الأمين والمقدّس عند اللـه .. ولأنها - مع ذلك - محطُّ أنظار العرب جميعاً .
    ولكن الحروب والغزوات التي اكتنفت السنـوات السبع بعد الهجرة ، والضعف الذي كان يراه في اصحابه ، منعاه من المسير إلى مكة . ولذلك فإنه حين رأى الوقت مناسباً عزم على الزحف إلى مكة وأعلن في المسلمين ذلك . وقال : إنه يريد مكة لأداء مناسك البيت فقط ، فسار بألف واربعمائة رجل من المهاجرين والأنصار .
    بيَد أن كفار قريش الذين رأوا أن دخول القوم مكة بعد أن أُخْرِجُوا منها من دون أن يلحقهم أذىً ، إنَّما هو ضعف وانهزام صريح في وجه المسلمين .
    ولذلك فإنهم أرادوا منعه منها ، وأرسلوا بطلائع من جنودهم ليقفوا في وجه المسلمين . وحين ذاك تنكّب النبيُّ (ص) عن الطريق المألوف لئلا يصطدم بهذه الطلائع . ولما عرف الكفار تنكُّبه ، وأنه بلغ ثنية المرار اسفل مكة ، أرسل النبي (ص) أحد المسلمين ينبئ قريشاً بأنه لم يأتهم محارباً بل معتمراً .
    وأرسلت قريش سفراء يريدون من النبي (ص) الرجوع عن عزمه . وكانت من قبل قد أرسلت سرية لمقاومة أعمال النبي (ص) فأخذها المسلمون وحبسوا جميع أفرادها ..
    ولما أصرت قريش على منع النبيِّ (ص) عن البيت قال النبي لأصحابه : " لا نبرح حتى نُناجز القوم " وطلب من المسلمين البيعة فبايعوه على الفتح أو الشهادة ..
    وحينما بلغ قريشاً نبأ البيعة الجديدة للنبيِّ (ص) هابوه فراسلوه على الصلح ، فاصطلح معهم بما يلي وكان أهم بنوده :
    1- إيقاف الحرب بين الفريقين لمدة سنتين .
    2- القادم إلى المسلمين يُردّ وليس بالعكس .
    3- رجوع المسلمين هذه السنة وإتيانهم في المقبلة .
    4- يستطيع الفريقان قبول عهد من شاء .
    وكانت هذه السياسة السليمة التي اتَّبعها النبيُّ (ص) هي التي فتحت عليه طرق التقدم والنجاح ، حيـث زحف المسلمون لمواجهة العالم الخارجي بعد أن أمنــــوا الجانب الداخلي ، وكان بذلك الحدث التالي .
    2- بعد هذا الصلح مباشرة بعث النبيُّ (ص) رسائل إلى زعماء وملوك كافة الدول المجاورة . فراسل ملك الروم ، والفرس ، والحبشة ، والقبط ، كما ارسل رسائل إلى كلِّ من أمير بصرى ، وأمير دمشق ، وملك البحرين ، وأميرَي عمان ، وملك اليمامة بشأن الرسالة التي حمّل مسؤولية تبليغها . وقد كان لهذه الرسائل آثارها البيعدة في نشر لواء الإسلام ومحق آثار الكفر ..
    أما أجوبة هؤلاء فمنهم من اسلم - وهو كلٌّ من ملك الحبشة ، وأمير البحرين ، وملكَي عمان - فكان ذلك فتحا مبيناً للإسلام . ومنهم من لم يسلم ولكنه احترم الرسول فايَّده ، وهو كلٌّ من ملك الروم وملك القبط وملك اليمامة .. ومنهم من أساء " إلى الرسول واستهزأ به وهو كلٌّ من ملك الفرس ، وأمير بُصرى وأمير دمشق " .
    3- وفي السنة التالية - السابعة للهجرة - اعتمر النبيُّ (ص) على رأس أصحابه الذين كانوا في الحديبية . وفسح الكفار المجال أمامهم ، وخرجوا عن مكة لئلا يقع تضارب بين الفريقين - على ما كان يتضمنه أحد بنود الصلح الماضي - . وكانت هذه المرة أول مرة يدخل فيها النبيُّ (ص) مكة بعد هجرته عنها بسبعة أعوام .
    4- ورجع النبي (ص) إلى المدينة بعدما بقي في مكة ثلاثة أيام . وبعد ذلك نقضت قريش بعض بنود الصلح بأن كانت قبيلة تسمى بـ خزاعة " معاهدة مع النبيّ " وكان على قريش ألا تُحاربها والاّ تُعين عليها أعداءها ، لكنها فعلت ذلك .
    وحلّ للنبي (ص) بذلك قتالها ، فجمع أصحابُه وجمع من القبائل المسلمة التي كانت تقطن حول المدينة عدداً كبيراً ، وزحف نحو مكة بعد أن ملأ الطريق عيوناً ورقباء على السائرين ، لكي لايصل خبر خروجه إلى قريش فيتم الأمر بالحرب التي لايريدها النبي (ص) أبداً .
    ولما بلغ النبيّ بجيشه حي ظهران بقرب مكة ، أمر أصحابه بأن يُكثروا من إيقاد النار ، ففعلوا ذلك . فاسترهب ذلك قلوب الكفار أَيَّ استرهاب ، وكان أبو سفيان يراقب طريق مكة إذ رأى النار فملكه الرعب ؛ والتقى بالعباس - عمّ النبيّ (ص) فحمله إلى النبي (ص) ودار بينهما محادثات تمت بإظهار ابي سفيان للإسلام وبإسلام بعض أبطال قريش وزعمائها قبله ، ففقدت مكة قوَّتها . ومنعتها ، ولم تملك قوة تدافع ضد دخول النبيِّ إليها . وقد انتهج النبيّ (ص) مسلكاً فريداً في هذا الهجوم العسكري ، وذلك بأن أعلن قبل الزحف إلى مكة أنَّ من ألقى السلاح أو دخل دار أبي سفيان أو دخل داره أو فناء الكعبة أو تحت لواء أبـي رويحة فهو آمن . ثم أمر قواته بإحاطة البلد والزحف عليهــــا من جميع جهاتها ، وألاّ يقاتلوا إلاّ من قاتلهم .. ثم دخل مكة من دون أن يعترض أحد طريقه إلاّ من جهة أسفل مكة حيث جاء منها خالد بن الوليد ، وقَتل اثنَي عشر نفراً ممن عارضه ، وقُتل من المسلمين واحد . ثم أعلن النبيّ (ص) في البيت الحرام العفو العام عن المشركين جميعاً ، أثناء خطبة ألقاها عليهم ..
    وبفتح مكة تمت السيطرة المطلقة للمسلمين على الجزيرة العربية التي كانت تعتبر مكة دينها ودنياها معاً .
    ثم أمر النبيّ (ص) بهدم - الأصنام - التي كانت تُعبد من دون اللـه فهدمت جميعاً . وبعد ذلك سمع النبيّ بأنَّ قبائل عربية اتَّحدت تريد الانقضاض على مكة للقضاء على المسلمين ، ومن بين تلك القبائل هوازن وثقيف .. فلما تحقق النبيّ (ص) الخبر جند اثنّي عشر ألفاً من المسلمين وتوجه إليها ، فالتقى الجمعان في وادي حُنين ، حيث كان مضيق جبليٌّ واقع بين جبلَين . وقد كان العدو قد سبق المسلمين إلى احتلال المواقع العسكرية في الجبلين . وحينما زحف المسلمون إلى العدو بين الجبلين انقض الكفار عليهم انقضاضاً ، فهزمت طائفة منهم ثم التقت بالطائفة التي بعدها فسادت الفوضى في الجيش الإسلامي ، وهُزموا هزيمة قبيحة . بيد أن النبيّ (ص) بقي صامداً . وبقي معه بعض المسلمين ثم اجتمع فلول المسلمين حتى كوَّنوا جبهة حاربوا بها الكفار وغلبوهم . وحيث إن الكفار كانوا قد أخرجوا جميع ممتلكاتهم ونسائهم إلى ساحة الحرب لعل ذلك يسبّب قوةً لمعنويات الجيش ، فإن المسلمين ربحوا غنائم كثيرة . واستعمل النبيُّ (ص) تلك الأموال في تأليف قلوب قريش ، ثم عزم الرجوع إلى المدينة .
    وقبل الرجوع أرسل سرايا من المسلمين في ملاحقة المنهزمين من الكفار الذين أرادوا التجمع مرة أخرى وايقاد نار الحرب .
    ومن تلك السرايا ، قوة مسلحة إلى الطائف حيث تحصَّن الكفار فيها .. بيد أن حصون الطائف كانت أمنع من أن يتغلب عليها المسلمون فرجعوا وعندما بلغ النبيّ (ص) المدينة تقاطرت عليه الوفود من جميع أنحاء الجزيرة يعلنون دخولهم في الإسلام ويطلبون منه ارسال المبلّغين المرشدين لهم .
    وفي السنة التالية لفتح مكة نزلت سورة البراءة التي أعلنت انتهاء الدور المظلم للجزيرة وابتداء الدور المشرق .
    فأرسل النبي (ص) الإمام علي بن أبي طالب إلى مكة حيث تلا هذه السورة في الحجَّاج المحتشدين في منى .. وأعلن بصراحة منع دخول المشركين إلى المسجد الحرام لأنهم نجس ولإن اللـه بريء منهم .. كما أعلن أنه لا عهد ولا ذمة لمشرك ، وان دم كل مشرك حلال بعد أربعة أشهر .
    وبعد هذا الإعلان لم يبق في الجزيرة من يظهر الشرك ، إلاّ فلول منهزمة مختفية على خوف من المسلمين . فأخذ الرسول يتأهب لمقاتلة الروم ، وقد كانت طلائعهم تستقي في أرض الشام التي كانت إمـــارة عربيــة تابعة للأمبراطورية الرومية . فزحف بالجيش الإسلامي ، الذي كان عدده أكثر من ثلاثين ألفاً . وكانت الخيل عشرة آلاف . وكان المسلمون مدججين بالسلاح الكامل .
    وكان فعلُ النبيِّ (ص) ذلك بعد اشاعة راجت في المدينة بأن جيش الروم قاصد لفتح الجزيرة العربية وإبادة المسلمين . ولكن حينما وصل ا

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 01, 2024 1:06 am