منتديات بدر الخير

أهلا ومرحبا بكم في منتديات بدر الخير

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات بدر الخير

أهلا ومرحبا بكم في منتديات بدر الخير

منتديات بدر الخير

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات بدر الخير

أهلا وسهلاً بكم أعزائنا

أهلا ومرحبا بكم في منتديات بدر الخير
أخبار - سياسية - ثقافية - أقتصادية - رياضية    عربية وعالمية
أخبار رياضية يومية - عراقية - عربية  - عالمية - أنتقالات اللاعبين - أخبار المدربين
تاريخ أهل البيت - أدعية زيارات - كتب دينية - تاريخ الصحابة
https://bdrr.forumarabia.com/ رابط منتديات بدر الخير
تفسير القرآن الكريم  -  تفسير الجلالين  - تفسير أبن كثير - صوتيات ومرئيات أسلامية  -  تجدونه في أقسام القرآن الكريم وتفسيره  -  وأقسام الصوتيات والمرئيات الأسلامية
الأنسان والمجتمع  -  أقسام عامة  - مواضيع ثقافية  -  مواضيع صحية  -  تفسير الأحلام
نرحب بأعضاءنا الجدد الأخوة {  أحمد الربيعي  - علي أبو شيته  - يسار العراقي   -  أحمد اللامي  -   كرار الخيكاني   -  خادم العترة   -  خادم أل البيت  -  المختار  -  بنت الهدى  } ويسعدنا مشاركتكم معنا وأتمنى من الأخوة الدخول ألى علبة الدردشة للتواصل تحياتنا أدارة المنتدى
منتدى الديانات : أقسام خاصة بكل االديانات - المسيحية - البوذية - اليزيدية - الهندوسية - السيخية - وكافة الأديان لا تفوتكم فرصة الأطلاع
منتدى ثقافي ترفيهي : قصص وروايات - عالم الحيوان - غابات وصحاري من عالم الطبيعة وكل ما هو جميل تابع وأستمتع
قسم اللايت سي LIGHT C قسم خاص بمعلومات اللايت سي - أجمل روابط رسالة المالك  - روابط تحميل جديدة

    الإمــام علــي (ع) يواجه المحنــة

    مخلد الشيباني
    مخلد الشيباني
    Admin


    عدد المساهمات : 198
    تاريخ التسجيل : 12/07/2012
    العمر : 42
    الموقع : العراق - بغداد

    الإمــام علــي (ع) يواجه المحنــة Empty الإمــام علــي (ع) يواجه المحنــة

    مُساهمة  مخلد الشيباني الأربعاء يوليو 25, 2012 5:20 pm

    أوصى النبيُّ (ص) الإمام (ع) بأنه سيعاني من أمته الكثير ، وبأنهم لا يمتثلون أوامره فيه وفي سائر أهل بيته ، فعليه أن يتسلح بالصبر . ثم الْتَحق النبيُّ (ص) بالرفيق الأعلى ، وفاضت نفسه ورأسه الشريف على صدر الإمام (ع) .
    واشتغل الإمام بمراسم الغسل والتكفين والدفن ، كما يقول (ع) :
    " ولقد قبض سول اللـه (ص) ، وإن راسه لَعَلَى صدري ، ولقد سالَتْ نفسُه في كفي ، فأمررتهُا على وجهي ، ولقد وَليتُ غسله (ص) والملائكة أعواني ، فضجَّت الدار والأوفينة ، ملأٌ يهبط وملأٌ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمةٌ منهم ، يصلُّون عليه حتى واريناه في ضريحه ، فمن ذا أحق به مني حيّاً وميتاً " 58.
    إلاّ أن هناك مَن كان يفكر في كيفية الإنقلاب . ويبدو أن ثلاثة خطوط ارتسمت على الخارطة السياسية بعد وفاة النبي (ص) مباشرة هي :
    أولا : خط الإمام علي (ع) ومعه جمهور الأنصار وثلة من المهاجرين .
    ثانياً : جناح سائر المهاجرين ، وثلة من الأنصار خصوصاً من قبيلة الخزرج .
    ثالثاً : حزب الأمويين بقيادة أبي سفيان .
    وبالرغم من أن الخط الثالث ، كان منبوذا ، ولاتزال ذكريات بدر وأُحد حيةً في نفوس المسلمين ، وبالتالي لم يكن لرموز هذا الخط الجرأة بأن تطرح نفسها كسلطة سياسية ، إلاّ أن انتشار شبكتها في الجزيرة وتراكم التجربة القيادية لديها ، وامتلاكها لكثير من الرجال الأشداء ، والأموال الطائلة ، كل ذلك كان يجعلها الغائب الشاهد في كل قرار سياسي للأمة ، حيث كانت أكبر قوة ضاغطة من وراء الأحداث .. ويبدو للباحث في التاريخ أن أية قوة سياسية كانت تتحالف مع خط أبي سفيان ، كان بامكانها أخذ أزِمَّة الأمور بيديها . وإن أبا سفيان حاول في البدء التحالف مع الإمام علي (ع) فرفضه ، فتحالف مع بعض عناصر الخط الثاني الذي كان يعتبر معتدلاً تجاهه ، إذا قيس بتصلُّب الإمام علي (ع) ومدى شدته في ذات اللـه .
    فقد جـــاء في بعض النصوص التاريخية ، أن أبا سفيان مشى إلى الإمام (ع) بعـــد وفـــاة الرســــول ، فحثَّـــه
    على المطالبة بحقه ، ووَعَده بأن يملأها خيلاً ورجالاً . فأبى (ع) ذلك بقوة ، والقى خطاباً هامّاً رغَّب الناس في الآخرة وزهَّدهم في الدنيا ، جاء في أوله :
    " أيها الناس ! شُقُّوا أمواج الفتن بسُفن النجاة ، وعرِّجوا عن طريق المنافرة وضعوا تيجان المفاخرة . افلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح . هذا ( الدنيا أو الملك ) ماء آجن ، ولقمة يغصُّ بها آكلها ، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها ، كالزارع بغير أرض ، فإن أقل يقولوا حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت " 59.
    وهكذا غلب الخط الثاني والذي اتَّفقت قياداته على بيعة الخليفة الأول على السلطة ، وكانت قيادات الجيش متفقة مع هذا الخط في الأغلب . وباستطاعتنا أن نفسر سيطرة هذا الخط بأنه سيطرة للخط العسكري . فبالرغم من أن الإمام عليّاً كان أبرز القيادات العسكرية في ذلك اليوم ، حيث حمل راية الإسلام في أكثر المعارك ، إلاّ أن أغلب أنصاره كانوا من المحرومين والمستضعفين كالأنصار .
    وهكذا يمكننا أن نفسر تسيير النبي (ص) لجيش اسامة إلى خارج العاصمة - بل خارج الجزيرة العربية - وقد ضم إليه كبار الأصحاب فيما بينهم أنصار وقيادات الخط الثاني ، إلاّ أنهم لم ينفِّذوا جيش أسامة ، وتخلفوا عنه ، سواء عن سابق إصرار ومعرفة بالهدف من بعثهم فيه ، أو لاشفاقهم على حالة الرسول كما زعموا .
    وقد قال الرسول (ص) :
    " نفِّذوا جيش اسامة ، لعن اللـه مَن تخلَّف عن جيش أسامة " .
    وقد جاء تفاصيل ذلك في نص صريح مأثور عن الإمام أمير المؤمنين (ع) جاء فيه :
    " ثم أمر رسول اللـه بتوجيهه الجيش الذي وجَّهه مع أسامة بن زيد عندما أحدث اللـه به المرض الذي توفاه فيه . فلم يَدع النبيُّ (ص) أحداً من أبناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته ، ولا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلاّ وجَّهه في ذلك الجيش ، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين ، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه ، ولا يدفعني دافع عن الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده . ثم كان آخر ما تكلم به في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه ، وتقدم في ذلك أشد التقدم ، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز ، وأكد فيه أكثر التأكيد .
    فلم أشعر بعد أن قبض النبي (ص) إلا برجالٍ من بَعْثِ أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم ، وأخلّوا بمواضعهم ، وخالفوا أمر رسول اللـه (ص) فيما أنهضهم له وأمرهم به ، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم ، والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه ، فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره ، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها اللـه عزَّ وجلَّ ورسوله لي في أعناقهم ، فحلّوها ، وعهد عاهدوا اللـه ورسوله فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجَّت به أصواتهم ، واختصت به آراؤهم ، من غير مناظرة لأحد من بني عبد المطلب ، أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي .
    فعلوا ذلك ، وأنا برسول اللـه مشغول ، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود ، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها ، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية ، وفاجع المصيبة ، وفَقْدِ من لا خلف منه إلاّ اللـه تبارك وتعالى ، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربُها ، وسرعة اتَّصالها .
    ثم التفت (ع) إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟. قالوا : بلى يا أمير المؤمنين عليك السلام 60 .
    كيف طالب الإمام (ع) بحقه :
    ولم يشأ الإمام علي (ع) أن يحمل السيف ، ويأخذ حقه بقوة السلاح لأمرين - كما يبدو للباحث في تاريخه - وهما :
    أولاً : لأنه لم يجد تجاوباً كافياً لدى المؤيدين له ، مما كان يجعل مطالبته نوعا من المغامرة .
    ثانيا : خشيته على الإسلام أن يرتد عنه أولئك الذين لَمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم .
    ولقد أشار (ع) إلى هذين الأمرين في أكثر من مناسبة ، نذكر منها قوله - في حديث مفصل يأتي إن شاء اللـه - : فقلت يا رسول اللـه فما تعهد إليَّ إذا كان ( ذلك ) ؟ فقال :
    " إن وجدت أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً كُفَّ يدَك ، واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً " 61.
    وقال - وهو يوضح موقفه من السلطة عموماً بعد بيعة عثمان - :
    " لقد علمتم : أني أحق الناس بها من غيري ، وواللـه لأَسَلّمَنَّ ما سلمتْ أمورُ المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عَلَيَّ خاصة ، التماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه " 62.
    ولقد طالب الإمام (ع) بحقه ومشى إلى المهاجرين والأنصار ، وحرّضهم على الدفاع عنه . وأنهض كبار شيعته وأهل بيته لإعلان حقه ، مما جعل الناس يعرفون بخطأ مبادرتهم للبيعة !. بل جعل الخليفة الثاني يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقَى اللـه المسلمين شرَّها ، فمن عاد إليها فاضربوا عنقه .
    إن البعــض يحاول أن يوهمنـا أن انتقال السلطة إلى الخليفة الأول تَمَّ بهدوء ، من أجـل أن يضفي على عهده صبغة القداسة والعصمة عن الخطأ . ولعل منشأ هذا الرأي الحمية للإســلام ، بما يخالف واقعيــــات
    التاريخ .
    والواقع أن خلط الدين بالتراث ، ومحاولة تقديس الماضي بإيجابياته وسلبياته هو المسؤول عن مثل هذه النظرة الساذجة .
    إن عشرات النصوص الدينية والتاريخية ، التي لايرقى إليها أدنى شك ، تؤكد أن مَن كان حول الرسول لم يكونوا إلاّ بشراً ، فيهم الصالحون ، وفيهم الكثير من المنافقين والفاسقين ، وكان فيهم من قال عنه الإمام (ع) :
    " لقد رأيت أصحاب محمد (ص) فما أرى أحداً يشبههم منكم !. لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً ، وقد باتوا سُجَّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم " 63 .
    كما كان فيهم من عشق السلطة ، وسعى إليها على تلال من جثث القتلى دون أي وازع من دين أو ضمير ، وكان فيهم مَنْ أكثَر من الكذب حتى حذَّر الرسول (ص) من ذلك قائلا :
    " ستكثر من بعدي القالة ، فمن كذَب عَلَيَّ فليتبوَّأ مقعده من النار " .
    وكان فيهم من قال عنه اللـه سبحانه :
    { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللـه شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللـه الشَّاكِرِينَ } (آل عمران/144)
    وقال عز من قائل أيضاً :
    { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } (التوبة/101)
    وقال تعالى :
    { وَيَـــوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُـــمَّ وَلَّيْتُم مُدْبِرِيـــنَ } (التوبة/25)
    وقال سبحانه :
    { يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللـه بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللـه وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللـه يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللـه وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (المائدة/54)
    وقد نقل المحدِّثون جميعاً عن الرسول (ص) كثيراً من النصوص التي تؤكد أن بعض أصحابه ينحرفون من بعده .. إذن كيف يمكن تصور القداسة فيهم ، وأنهم سلَّموا السُّلطة إلى أهلهـا من دون صراع ، علماً بأن الروايات التاريخية الصحيحة شهدتْ بوجود هذا الصراع على أشده ، منذ يوم السقيفة ؛ ثـم ولــــم يلبث أن اصطبغ الصراع بلون الدم في حادثة مالك بن نويرة ، الذي أبى إعطاء الزكاة للخليفة الأول ، فبعث إليه قائداً عربيّاً عريقاً في الجاهلية ممن انضمَّ إلى الرسالة بعد الفتح ، وأضحى سيفاً مسلولاً بيد الدولة ، وهو خالد بن الوليد ، الذي فتك بمالك وانتهك عرضه وافتعل بزوجته ليلة قتلِه وجعله عبرة لكل القبائل التي ربما فكرت بالتمرد على السلطة الجديدة .. ثم باركت عملَه هذه السلطة الجديدة ؟..
    واستمرت سلسلة الصراعات حتى انتهت بالحروب الداخلية التي جرت في عهد الإمام أمير المؤمنين (ع) ، فلولا وجود خلفيات لهذه الصراعات لم تكن لتظهر بتلك الصورة الدموية .
    بيد أن الباحث يقتنع من خلال عشرات الشواهد التاريخية أن الإمام عليّاً (ع) لم يكن يرغب في تحويل الصراع إلى تنافس سياسي على السلطة ، ولا يرضى بتصعيده إلى حرب دامية ، ولا حتى باعتزال الساحة السياسية ، بل كان يشارك الخلفاء في كافة الشؤون ، ويلي أمورهم ويحل معضلاتهم .
    و من جهة ثانية ، كان الخلفاء يذعنون لفضل الإمام (ع) ، ويعملون بنصائحه وقضائه ويشيدون به في أكثر من مناسبة .. فلقد شاع قول الخليفة الأول .. أقيلوني فلست بخيركم وعليٌّ فيكم .
    وتواتر الحديث عن الخليفة الثاني : " لولا عليٌّ لَهلك عُمَر " .
    حيث قالها في أكثر من مائة مناسبة . وقال أيضاً : " معضلة ليس لها أبو الحسن " .
    وإنما قالها عمر لمزيد من المشاكل التي حلها الإمام (ع) وأراح منها المسلمين .
    وقد ثبت تاريخيّاً : أن أصحاب الإمام (ع) قد تولوا كثيراً من المناصب الإدارية والعسكرية للدولة ، فسلمان تولى ولاية فارس في المدائن ، وهو من أقرب أنصار الإمام (ع) وأشهدهم إخلاصاً له . والإمام الحسن المجتبى (ع) شارك في جيش الإسلام الذي فتح اللـه على يديه بلاد الفرس ، كما أن الإمام نفسه استخلفه الخليفة الثاني عند ذهابه إلى فلسطين .
    ونستوحي من حديث مأثور عن الإمام الصادق (ع) أن الحكم في عهد الخليفة الأول والثاني كان يشبه حكماً ائتلافيّاً بين الأجنحة المختلفة ، بينما استبد جناح بني أمية بالحكم في عهد الخليفة الثالث ، وخلص الحكم - بعد الإنتفاضة وقتل الخليفة - للجناح الأول الذي كان يقوده الإمام علي ، وأولي البصائر من المهاجرين والأنصار : ولذلك ثارت ثائرة أصحاب عُثمان وتمرد الأمويون ومَن اتَّبعهم على حكم الإمام علي (ع) .
    سيدة النساء النصيرة الأولى للإمام عليه السلام :
    هكذا أُفرزت الأجنحة السياسية بوفاة الرسول (ص) ، وحُددت ملامح المعارضة الرسالية التي طالبت بعودة الإمام عليٍّ إلى الحكم لانه الأفضل ، ولان الرسول الذي لاينطق عن الهوى قد أمر بذلك وشدد أمره بأخذ العهود والمواثيق .
    وكانت بنت رسول اللـه - فاطمة الزهراء عليها السلام - أشد المدافعين عن الإمام (ع) وأقواهم ، وبالرغم من أنها لم تعش بعد والدها طويلاً ، لانها صُفِّيت ، وكانت أول من يلتحق بأبيها ، إلا أن معارضتهــــا الشجاعة فتحت أبواب المعارضة أمام أنصار الإمام (ع) وأعطتهم المنهج وشحنت إرادتهم بالعـزم ، خصوصاً بعد استشهادها ووصيتها بأن يُخْفَى محلُّ دفنها ، ولا يحضر جنازتها مَنْ ظَلَمها ..
    ولقد أصبحت شهادة فاطمة (ع) راية ظلامة حارب تحت ظلها كل المحرومين عبر التاريخ ..
    وإن غيابها المبكِّر وبتلك الصورة الفجيعة ، جدد أحزان المسلمين بفقد الحبيب محمد (ص) ، وأثار في القلوب المجروحة بمصيبة الرسول زوبعة من العواطف الصادقة التي تحولت مع الزمن إلى قوة تحدٍّ لاتقهر ..
    لقد حفرت كلماتها المضيئة في أفئدة الناس أنهراً من الحماس والتحدي الرسالي . فقد قالت لنساء الأنصار حين زرنها في مرض موتها وقلن لها : كيف أصبحت يا بنت رسول اللـه ؟ قالت لهنَّ فيما قالت : لقد زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الروح الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، أَلاَ ذلك هو الخسران المبين ، ومضت قائلة :
    " وما الذي نقموا من أبي الحسن ، نقموا منه - واللـه - نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمُّره في ذات اللـه " .
    ثم قالت : " استبدلوا واللـه الذُّنابي بالقوادم ، والعجز بالكامل ، فرغماً لِمَعاطس قومٍ يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً ، ألاَ إِنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون .
    ويحهم ، أفمن يَهدي إلى الحق أحقُّ أن يُتَّبع أمَّن لايَهِدِّي إلا أن يُهْدَى فمالكم كيف تحكمون " 64.
    أصحاب النبي (ص) يدافعون عن الإمام (ع) :
    ولكن .. كيف دافع أصحاب النبي عن حق الإمام في الخلافة ؟.
    الكتب التاريخية حفظت لنا عشرات الحوادث في ذلك . بيد أن القصة التالية تبدو جامعة حيث احتج كبار الأصحاب على تغيير السلطة بأدلة قوية . كما أنها تروي أيضاً جانباً هامّاً من تاريخ الإمام علي (ع) .. والإمام الصادق يروي تفاصيل هذه الحادثة التاريخية في حديث مفصل نُثبته هنا ليعكس لنا حالة الأمة آنذاك .
    وحيث اجتمع فريق من أصحاب رسول اللـه ، فيهم سلمان الفارسي ، وأبوذر ، والمقداد بن الاسود ، وبريرة الأسلمي ، وعمار بن ياسر ، وآخرون إلى الإمام (ع) فقالوا :
    يا أمير المؤمنين تركتَ حقّاً أنت أحق به وأولى منه ، لأنا سمعنا رسول اللـه (ص) يقول : " عليٌّ مع الحق ، والحق مع علي ، يميل مع الحق كيف مال " .
    ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللـه (ص) فجئناك نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا . فقال أمير المؤمنين (ع) :
    " وأيم اللـه لو فعلتم ذلك لَمَا كنتم لهم إلاّ حرباً ، ولكنكم كالملح في الزاد ، وكالكحل في العين ، وأيم اللـه لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين أسيافكم مستعدين للحرب والقتال ، إذاً لأتوني فقالوا لي بايع ، وإلاّ قتلناك ، فلابدّ من أن أدفع القوم عن نفسي . وذلك أن رسول اللـه (ص) أوعز إليَّ قبل وفاته وقال لي : يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك بعدي ، وتنقض فيك عهدي . وإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، وإن الأمة من بعدي بمنزلة هارون ومن اتَّبعه ، والسامري ومن اتَّبعه " .
    فقلت يا رسول اللـه فما تعهد إليَّ إذا كان ذلك ؟. فقال :
    " إن وجدت أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً كُفَّ يدَك واحقنْ دمَك حتى تلحق بي مظلوماً " .
    ولما توفي رسول اللـه (ص) اشتغلتُ بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ، ثم آليتُ يميناً أن لا أرتدي إلاّ للصلاة حتى أجمع القرآن ، ففعلت . ثم أخذت بيد فاطمة وابْنَيَّ الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نُصرتي ، فما أجابني منهم إلاّ أربعة رهط منهم سلمان وعمار والمقداد وأبوذر 65. ولقد راودت في ذلك تقييد بيّنتي ، فاتقوا اللـه على السكوت لِمَا علمتم من وَغْر صدور القوم ، وبُغضهم لله ولرسوله ولأهل بيت نبيه (ص) . فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرِّفوه ما سمعتم من قول رسولكم (ص) ليكون ذلك أوكد للحجة ، وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول اللـه (ص) إذا وردوا عليه .
    فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول اللـه (ص) وكان يوم الجمعة ، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار تقدموا فتكلّموا ، وقال الأنصار للمهاجرين : بل تكلموا أنتم ، فإن اللـه عزَّ وجلَّ أدناكم في كتابه إذ قال اللـه :
    { لَقَد تَابَ اللـه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ } (التوبة/117)
    قال ابان : فقلت له : يابن رسول اللـه ، إن العامَّة لاتقرأ كما عندك ، فقال : وكيف تقرأ يا ابان ؟ قال : إنها تقرأ .
    { لَقَد تَابَ اللـه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ } (التوبة/117)
    فقال : " ويلهم وأي ذنب كان لرسول اللـه (ص) حتى تـاب اللـه عليه منه ، إنما تاب اللـه به على أمته ".
    فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ، ثم باقي المهاجرين ، ثم من بعدهم الأنصار . وروي أنهم كانــــوا غُيَّباً عن وفاة رسول اللـه (ص) فقدِموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رســــول اللـه (ص)
    فقام خالد بن سعيد بن العاص 66وقال :
    إِتقِ اللـه يا أبا بكر ، فقد علمتَ أن رسول اللـه (ص) قال ونحن محتوشوه يوم قريظة حين فتح اللـه له وقد قَتَلَ عليٌّ يومئذ عدة من صناديد رجالهم ، وأولي البأس والنجدة منهم :
    " يا معاشر المهاجرين والأنصار ، إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمراً فاحفظوه ، ألاَ إن علي بن أبي طالب (ع) أميركم بعدي ، وخليفتي فيكم ، بذلك أوصاني ربي ، ألاَ وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم ، واضطرب عليكم أمرُ دينكم ، وَ وَلِيَكُمْ شِرارُكم . ألاَ إن أهل بيتي هم الوارثون لأمري ، والعالِمون بأمر أمتي من بعدي . اللـهم مَن أطاعهم من أمتي ، وحفظ فيهم وصيتي ، فاحشرهم في زُمرتي ، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي ، يدركون به نور الآخرة . اللـهم ومَن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض " .
    فقال له عمر بن الخطاب : اسكت يــا خالد فلست من اهل المشورة ، ولا ممن يقتدى برأيه . فقال خالد : اسكت يا ابن الخطاب فإنك تنطق عن لسان غيرك . وأيم اللـه لقد علمتْ قريش أنك من أَلأَمها حسباً ، وأدناها منصباً ، وأخسّها قدراً ، وأخملها ذِكْراً ، وأقلهم غَناء عن اللـه ورسلوه . وأنك لَجبان في الحروب ، بخيل بالمال ، لئيم العنصر ، مالك في قريش من فخر ، ولا في الحروب من ذِكْر ، وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ، فلما كفر قال إني بريء منك ، إني أخاف اللـه رب العالمين ، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدَينِ فيها ، وذلك جزاء الظالمين ، فأبلس عمر ، وجلس خالد بن سعيد .
    2- ثم قام سلمان الفارسي 67وقال : كرديد ونكرديد ( وندانيد جه كرديد ) أي فعلتم ولم تفعلوا ( وما علمتم ما فعلتم ) وامتنع من البيعة قبل ذلك حتى وُجِيءَ عنقه ، فقال : يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نــــزل مالا تعرفه ، وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه ، وما عذرك في تقدم من هو أعلم منك وأقــــرب إلــــى
    رسول اللـه (ص) وأعلم بتأويل كتاب اللـه عزَّ وجلَّ وسنّة نبيه ، ومَن قدَّمه النبي (ص) في حياته ، وأوصاكم به عند وفاته ، فنبذتم قوله ، وتناسيتم وصيته ، وأخلفتم الوعد ، ونقضتم العهد ، وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذراً من مثل ما أتيتموه ، وتنبيهاً للأمة على عظيم ما اجترحتموه من مخالفة أمره ، فعن قليل يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك ، وحملت معك ما اكتسبت يداك ، فلو راجعت الحق من قُرب وتلافيت نفسك ، وتبت إلى اللـه من عظيم ما اجترمـت ، كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك ، فقد سمعت كما سمعنا، ورأيت كمــــا رأينــــا ، فلم يردعك ذلك عمـــا أنت متشبث به من هــــذا الأمــر الذي لا عذر لك في تقلُّـــده ولا حـــظَّ
    للدين والمسلمين في قيامك به ، فاللـه اللـه في نفسك ، فقد أعذر من أنذر ، ولا تكن كمن أدبر واستكبر .
    3- ثم قام أبو ذر فقال : يا معاشر قريش أصبتم قباحةً وتركتم قرابـــــــة ، واللـه لترتدنَّ جماعة من العــــرب 68 ولتشكن في هذا الدين ، ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان . واللـه لقد صارت لمن غلب ولتطمحنَّ إليها عين من ليس من أهلها ، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة ، فكان كما قال أبو ذر رضوان اللـه عليه .
    ثم قال لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول اللـه (ص) قال :
    " الأمر بعدي لعليِّ ثم ، لإبنَيَّ الحسن والحسين ، ثم للطاهرين من ذُرِّيتي " .
    فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به إليكم ، فأطعتم الدنيا الفانية ، وبعتم الآخرة الباقية التي لايهرم شبابها ، ولا يزول نعيمها ، ولا يحزن أهلها ، ولا يموت سكانها ، بالحقير التافه الفاني الزائل ، وكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ، ونكصت على أعقابها ، وغيرت وبدّلت ، واختلفت ، فساوَيْتُموهم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال أمركم ، وتجزون بما قدمت أيديكم ، وما اللـه بظلام للعبيد .
    4- ثم قام المقداد بن الأسود وقال : ارجع يا أبا بكر عن ظلمك ، وتب إلى ربك ، والزم بيتك ، وابكِ على خطيئتك ، وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول اللـه (ص) في عنقك من بيعته ، وألْزَمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه ، ونبّه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علَم النفاق ومعدن الشنآن والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل اللـه تعالى فيه على نبيه (ص) :
    { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَبْتَرُ } (الكَوثَر/3)
    فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو - وهو كان أميراً عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي انفذه رسول اللـه (ص) في غزاة ذات السلاسل 69 وإن عمراً قلدكما حرس عسكره فمن الحرس إلى الخلافة ؟ إتّقِ اللـه وبادر الاستقالة قــبل فوتها ، فإن ذلك اسلم في حياتك وبعد وفاتك ، ولا تركن إلى دنياك ، ولا تغررك قريش وغيرها ، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ، ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك . وقد علمت وتيقَّنت أن عليَّ بن أبي طالب (ع) صاحب هذا الأمر بعد رسول اللـه (ص) فسلِّمه إليه بما جعله اللـه له فإنه أتم لسترك وأخفُّ لوزرك ، فقد واللـه نصحت لك إن قبلت نُصحي ، وإلى اللـه ترجع الأمور .
    5- ثم قام بريدة الأسلمي 70 فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا لقي الحق من الباطل يا أبا بكر ؟ أنسيت أم تناسيت أم خدعتك نفسك وسوّلت لك الأباطيل ؟ أولم تذكر ما أمرنا به رسول اللـه (ص) من تسمية علي (ع) بإمره المؤمنين ، والنبي بين أظهرنا ، وقوله في عدة أوقات : هذا أمير المؤمنين ، وقاتل القاسطين ؟ فاتَّقِ اللـه وتَداركْ نفسك قبل أن لا تُدركها وأنقذها مما يهلكها ، واردد الأمر إلى من هو أحق به منك ، ولا تتمادَ في اغتصابه . وراجع وأنت تستطيع أن تراجع ، فقد محصتُك النصح ، ودللتك على طريق النجاة ، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين .
    6- ثم قام عمار بن ياسر فقال : يا معاشر قريش يا معاشر المسلمين ، إن كنتم علمتم وإلاّ فاعلموا أن أهـــــل بيت نبيكم أولى به وأحق بارثه ، وأقْوَمُ بأمور الدين وآمن على المؤمنين ، وأحفظ لملته ، وأنصح لأمته ، فمروا صاحبكم فليرد‍َّ الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ، ويضعف أمركم ، ويظفر عدوكم ، ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم ، وتختلفون فيما بينكم ، ويطمع فيكم عدوكم ، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم ، وعلي من بينهم وليكم بعهد اللـه وبعهد رسوله ، وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عندما سدَّ النبي (ص) أبوابكم التي كانت إلى المسجد فسدها كلها غير بابه 71 وإيثاره إياه بكريمتــــه فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم ، وقوله (ص) : " أنا مدينة العلم وعليٌّ بابهـا ، فمــــن أراد
    الحكمة فليأتها من بابها " .
    وأنتم جميعاً مصطرخون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه ، وهو مستغنٍ عن كل أحد منكم ، إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه ، فما بالكم تحيدون عنه ، وتغيرون على حقه ، وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، بئس للظالمين بدلاً . أعطوه ما جعله اللـه له :
    { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } (المائدة/21) .
    7- ثم قام أبي بن كعب 72 فقال : يا أبا بكر لا تجحد حقّاً جعله اللـه لغيرك ، ولا تكن أول من عصى رســــول اللـه (ص) في وصيّه وصفيّه ، وصدف عن أمره . أردد الحق إلى أهله تسلم ، ولا تتمــــــاد في غيــــك فتنـدم ، وبادر الإنابة يخفّ وزرك ولا تخصص بهذا الأمــر الذي لم يجعلــــه اللـه لك نفساً ، فتلقى وبـــــال عملـــك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه ، وتصير إلى ربك ، فيســــألك عما جنيت { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } (فصّلت/46) .
    8- ثم قام خزيمة بن ثابت فقال : أيها الناس ألستم تعلمون أن رســــــول اللــه (ص) قبل شهادتي وحدي ، ولم يُرد معي غيري ؟. قالوا بلى قال : فأَشهد أني سمعت رسول اللـه (ص) يقول : " أهل بيتي يُفَرِّقون بين الحق والباطل ، وهم الأئمة الذين يُقتدى بهم " .
    وقد قلت ما علمت ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين .
    9- ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال : وأنا أشهد على نبيِّنا (ص) أنه أقام عليّاً (ع) - يعني في يوم غدير خم - . فقالت الأنصار ما أقامه إلاّ للخلافة . وقال بعضهم ما أقامه إلاّ ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول اللـه (ص) مولاه . وأكثروا الخوض في ذلك ، فبعثنا رجالاً منَّا إلى رسول اللـه (ص) فسألوه عن ذلك ، فقال : قولوا لهم :
    " علي (ع) ولي المؤمنين بعدي ، وأنصح الناس لأمتي ، وقد شهدت بما حضرني . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إن يوم الفصل كان ميقاتاً " .
    10- ثم قام سهل بن حنيف فحمد اللـه وأثنى عليه ، وصلى على النبيِّ محمد (ص) ثم قال : يا معاشـر
    قريش اشهدوا على أني أشهد على رسول اللـه (ص) وقد رأيته في هذا المكان يعني الروضة ، وهو آخذ بيد علي بن أبي طالب (ع) وهو يقول :
    " أيها الناس هذا علي إمامكم من بعدي ، ووصيي في حياتي وبعد وفاتي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأول من يصافحني على الحوض ، فطوبى لمن تبعه ونصره ، والويل لمن تخلَّف عنه وخذله " .
    11- وقام معه أخوه عثمان بن حنيف فقال : سمعنا رسول اللـه (ص) يقول :
    " أهل بيتي نجوم الأرض ، فلا تتقدموهم وقَدِّموهم ، فهم الولاة بعدي " .
    فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللـه وأي أهل بيتك ؟
    فقال (ص) : " علي والطاهرون من وُلْده " .
    وقد بيَّن (ص) فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به ولا تخونوا اللـه والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون .
    12- ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال : اتقوا اللـه عباد اللـه في أهل بيت نبيكم ، ورُدُّوا إليهم حقهم الذي جعله اللـه لهم ، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبيِّنا (ص) ومجلس بعد مجلس يقول : أهل بيتي أئمتكم بعدي ، ويُومئ إلى علي (ع) ويقول : هذا أمير البررة ، وقاتل الكفرة ، مخذول مَن خذله ، منصور مَن نصره . فتوبوا إلى اللـه من ظُلمكم ، إن اللـه تَوَّاب رحيم ، ولا تتولوا عنه مدبرين ، ولا تتولوا عنه معرضين .
    قال الصادق (ع) : فَأُفْحِمَ أبو بكر على المنبر حتى لم يُحْرِ جواباً ثم قال : ( وَلِيْتُكم ولستُ بخيركم ، أقيلوني ، أقيلوني ) 73 فقال عمر بن الخطاب : أنزل عنها يا لكع .
    كيف قَيَّم الإمام (ع) الشيخين :
    أمّا كيف عاش الإمام في عهد الشيخين ؟ وكيف قيَّم هذا العهد ؟. فلقد عاش صابراً يسعى لإصلاح الوضع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، ثم أخذ يربِّي جيلاً من الرساليين ، ويشكل قوة ضغط ضد الإنحرافات الإ‎جتماعية ، وضد جناح بني أمية الذين كانوا يسعون للتسلل إلى أجهزة الحكم .
    ويصف الإمام هذا العهد وصفاً دقيقاً في خطبته المعروفة بالشقشقية . ونستغني نحن بدورنا ، عن المزيد من التفاصيل بشرح فقرات هذه الخطبة التي أوجزت في كلماته ما يمكن أن تتسع لها موسوعة تاريخية .
    يذكر الإمام في هذه الخطبة التي انحدرت عنه كالشقشقة تنحدر من الإبل ، ويذكر أن أبا بكر لبس الخلافة كالقميص في الوقت الذي كان يعلم أني أحق بها ، حيث إني كقطب رحى الخلافة ومثل القمة التي ينحدر عنها السيل ، ولا يبلغها الطير لشموخ محلِّها . أما إني قد أرخيت عليها ستارا ، لأن بدأت أفكر بين أمرين : هل أقدم ولا يدّ لي ، أم احجم وأصبر على ظلام أعمى يطول حتى يجعل الكبير هرماً ، والصغير أشيب ، والمؤمن كادحاً حتى يلقى ربه ؟
    وقد قال بالنص 74 :
    " اما واللـه لقد تقمصها 75 فلان ( ابن أبي قحافة ) وإنه ليعلم أن محلِّي منها محلُّ القُطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلتُ دونها ثوباً 76 ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أصول بيد جذّاء 77 ، أو اصبر على طخية عمياء 78 ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكن فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه " .
    ثم يبيِّن الإمام (ع) أنه رأى الصبر أقرب إلى الرشد والعقل ، فصبر صبر من أصاب عينه قذىً أو اعترضت حلقه عَظْمَةٌ لأنه يرى ما أورثه النبي (ص) من الخلافة ينتهب منه نهباً ، وظل على هذه الحال ، حتى مضى الخليفة الأول لسبيله ( وتوفاه اللـه ) فأوصى بالخلافة ( للخليفة ) الثاني .
    ويتساءل الإمام (ع) : كيف كان أبو بكر يستقيل من الخلافة في حياته ثم يتشبث بها حتى بعد مماته ، إذ كانت معاهدة بينهما أن يقتسماها معاً ، ويقول بالنص :
    " فرأيت أن الصبر على هاتــــا أحجــــى ، فصبرت ، وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا 79 أرى تراثي نهبــــاً 80 حتى إذا مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده " .
    ثم تمثل بقول الأعشى :
    شتـــــــان مــــــــا يومـــــــــــــــي علــــــى كـــورهــــــــــــــــــــــــــــــــــــا 81 و يــــــــــــــــــــوم حيَّـــــــــــــــــان أخــــــــــــــــــــــي جـــــابـــــــــــــــــــــــر
    " فيا عجباً !. بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لَشدَّ ما تشطَّر ضرعيها " 82.
    ثم يصف شخصية الخليفة الثاني ، فيقول :
    لقد وضع الأول الخلافة في محل خشن إذا جرح أحدث جرحاً غليظاً ، وإذا اقتربت منه يصعب عليك مسّه ، و ( بذلك ) تكثر عنده الكبوات والاعتذار منها ، وقد أصبحت السلطة كالإبل الصعبة ، إذا أوقفها صاحبها أضرَّ بها حيث يخرم أذنها . وإذا تركها اقتحمت المهالك ، وهكذا أضحت السلطة ، لا تنفع الشدة فيها لأنها تضر بالناس ، ولا يصح الإهمال لأنه يفسدها .
    ويبدو أن الإمام (ع) يشير بذلك إلى أن حزمه ولينه لم يكونا بقدر مناسب ولا كانا في الموقع المناسب ، بل كان شديداً في مقام يتناسب اللين . وليناً عندما يستوجب الشدة .
    ثم يصف حال الناس الذين أصيبوا بخبط فلم يعرفوا الهدى عن الضلال ، كما ابتلوا بحالة التمرد انتهى بهم إلى حالة النفاق ، والسير على غير هدى ، ولكن مع طول المدة وشدة المحنة آثرت الصبر . ويقول الإمام (ع) :
    " فصيَّرها في حوزة خشناء يغلظُ كلْمها 83ويخشنَ مسُّها ويكثر العِثار 84 فيها والإعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة 85، إن أشنق86 لها خرَمَ 87وإن أسلس 88لها تقحَّم 89 فَمُني الناس 90 - لَعَمْرُ واللـه - بخَبْطٍ 91 وشِماس 92 وتَلَوُّنٍ واعتراض 93 فصبرت على طول المدة وشدة المحنة " .
    ثم يصف الشورى التي أمر بها الخليفة الثاني حيث جعلها في ستة ..
    من كان يشك في أنه أفضل من الأول !، فكيف يوضع عند أمثال الأقران المتشابهين مع بعضهم وليس معه .
    وقد قَبِلَ الإمام (ع) لِمَا رآه من مصلحة الدين بالوضع ، كأنه واحد من سرب الطيور ، إذا هبطوا هبط معهم ، وإن حلقوا طار معهم .
    يقول الإمام (ع) :
    " حتى إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ، فياللـه ولِلشُّورى ، متى أعرض الريب فيَّ مــــع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر 94 ، لكننـــــي أسففت95 إذ أسَفُّوا ، وطرت إذ طــاروا " .
    ويمضي الإمام (ع) في حديثه يصف عهد الخليفة الثالث ومن بعده مما نتحدث عنه تباعاً .
    كيف قتل الخليفة الثاني ؟
    يرى بعض الباحثين أن الحزب الأموي كان وراء مقتل الخليفة الثاني ، خصوصاً وقد ضيق عليهم في أواخر عهده . فهذا عمرو بن العاص يتأفف ويقول : لعن اللـه زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب ، والمغيرة يحقد عليه لأنه عزله عن البصرة بعد أتِّهامه بالزنا ، وفي أكثر من مناسبة ، كان يخاطبه قائلا : واللـه لا أظن أبا بكرة قد كذب عليك .
    ويرى عبد الرحمن بن أبي بكر أن جفينة غلام سعد بن أبي وقاص كان مشتركاً في الجريمة ، وسعد كان تربطه بالبيت الأموي قرابة حميمة ، حيث إن أمّه كانت أخت أبي سفيان .
    والواقع : أن الأسباب التي يرى المؤرخون أنها كانت وراء إقدام أبي لؤلؤة على اغتيال الخليفة الثاني ، تافهة ، ولا يمكن أن تصمد أمام النقد ، حيث إن مجرد رفع المغيرة مولاه الضريبة عليه لا تدعو لاغتيال الخليفة ، بل لاغتيال مولاه ، والذي تذهب إليه الضريبة مباشرة ، فلما اشرف الخليفة على الوفاة جعلها شــــــورى بين ستة . وجعل الإمام عليّاً (ع) واحداً منهم ، أما الباقون فهم : عثمان ، وعبد الرحمن بن عـوف ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص .
    وكان واضحاً من طبيعة الشورى ، ومن وصية عمر بأن يؤخذ برأي الثلاثة ، الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، الذي كان يفضل صهره عثمان . وهكذا فإن الخليفة الثاني اختار خليفته بلباقة ، ولعله فعل ذلك بوحي مخاوفه السابقة من انتقال الخلافة إلى الإمام (ع) باعتباره النجم اللامع الذي إذا سطع في سماء الخلافة ، ولم يبق لغيره بريق ، أولم يقل - وهويستعرض صفات الست ، وينعت كل واحد منهم بأبشع الصفات ، إلاّ عليّاً . فيقول فيه : لله أنت لولا دعابة فيك . أما واللـه لو وليتهم لتحملنّهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء .
    وهذا يعني أن خلافة علي (ع) كانت تنسف الأسس التي بناها الخليفتان من قبله ، ولعله لذلك رفض الإمام شرطاً من عبد الرحمن بن عوف عليه بأن يعمل بسيرة الشيخين . إلاّ أن الإمام (ع) حين خرج من بيت الشورى وقد تمت البيعة ، لعثمان بن عفان قال :
    " نحن أهــل بيت النبوة ، ومعدن الحكمة ، أمان لأهل الأرض ، ونجاة لمــــن طلب ، إن لنا حقّاً إن نُعطــــه
    أخذناه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل " .
    ( أي نكون تبعاً لغيرنا ) . ثم التفت إلى ابن عوف وقال :" ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل واللـه المستعان على ما تصفون . واللـه ما ولَّيته الأمر إلاّ ليردَّه عليك " 96 .
    وقال أيضاً : " أيها الناس ! لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري . أَمَا وقد انتهى الأمر إلى ما ترون فواللـه لأُسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلاّ عليَّ خاصة ، التماسا لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه " 97 .
    بنو أمية تتسلل إلى السلطة :
    إذا كانت معادلة السلطة مالت في أخريات أيام الخليفة الثاني إلى جانب الخط الرسالي ، فإنها فسدت في عهد الخليفة الثالث ، لمصلحة الخط الأموي بعد نجاح هذا الخط في دعم خلافة واحد منهم ، وإخفاء آثار اغتيال الخليفة ، بقتل المشاركين فيها من غير حزبهم !
    وهكذا لم يكن تسلل بني أمية إلى السلطة في عهد الخليفة الثالث خارجاً عن منطق الأحداث . فإنما صعد نجم الخليفة بهم ، ولعل الشرط الثالث الذي اقترحه عبد الرحمن على الإمام علي فرفضه وقبله عثمان كان محتواه إبقاء امتيازات بني أمية ، ومنها ولاية الشام لمعاوية . ولقد قال الخليفة الثاني عند وفاته لعثمان : هبها إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أمية وبني معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحاً . واللـه لئن فعلَتْ لَتفعلنّ ولئن فعلتَ لَيُفعلن بك ، ثم أخذ ناصيته وقال : فإذا كان ذلك فاذكر قولي 98 .
    هكذا أوجز بعض المؤرخين الوضع في عهد الخليفة الثالث فقال :
    لقد أوطأ بني أمية رقاب الناس ، وولاهم الولايات ، وأقطعهم القطائع وافتتحت أرمينية في زمانه فأخذ الخمس كله ووهبه لمروان .
    وطلب منه عبد اللـه بن خالد بن أسيد خلة ، فأعطاه أربعمائة ألف درهم ، وافتتح خلافته بإرجاع الحكَم بن أبي العاص وبنيه وأسرته إلى المدينة بعد أن طردهم رسول اللـه (ص) منها ، ولم يقبل ( رسول اللـه (ص) ) بهم شفاعة أحد أبداً . كما رفض الشيخان أبو بكر وعمر إرجاعهم إليها وشفاعة المتشفعين بهم .
    وقد أنكر المسلمون ذلك أشد الإنكار . ولكن عثمان لم يلبث أن ولاه صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف درهم فوهبها له .
    ثم إن رسول اللـه (ص) كان قد تصدق بموضع سوق في المدينة يُسمَّى ( بهزون ) على المسلمين فأقطعه ابن عفان إلى الحرث بن الحكَم شقيق مروان - كما يذكر ذلك ابن أبي الحديد - ويضيف :
    أقطع مروان خدعاً وكانت لفاطمة الزهراء (ع) ، وحمي المراعي حول المدينة كلها ، منع عنها مواشي المسلمين ، وأباحها لمواشي بني أمية . وأعطى عبد اللـه بن أبي سرح - وهو أخوه من الرضاعة - جميع ما أفاء اللـه عليه من فتح أفريقيا .
    وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي الف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بمائة ألف ، وكان قد زوجه ابنته أم أبان ، فجاءه زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ووضعها بين يدي عثمان وبكى - فقال له : لتبكي أن وصلت رحمي ؟ فقال : لا ولكن أبكي لانني ظننت انك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت تنفقه في حياة رسول اللـه ، واللـه لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً عليه ، فقال له : أُلقِ المفاتيح يابن أرقم فإنا سنجد غيرك .
    الثورة التي لم ترحم :
    أنشبت بنو أميـــة ، أظفارها في السلطة ، وبدأت تنهب أموال المسلمين نهباً ، وتبني بها حزبها السياسي ، وقوتها العسكرية . ولأنها كانت ذات نفوذ سياسي قبل الإسلام ، ولها علاقات مع القوى السياسية والعسكرية في الجزيرة ، وتجارب سياسية ، ولأن سماحة الإسلام ، وضعف بعض القيادات هيأت لهم فرصة النمو في الظل ، فقد حافظوا على أفكارهم وتقاليدهم وعلاقاتهم ، بل وهيكلية قيادتهم طوال الفترة التي كانوا بعيدين فيها عن السلطة ظاهراً ، بالرغم من تداخلهم فيها ..
    بل ، إن أبا سفيان ، وهو قائدهم في الجاهلية وموجههم في الإسلام ، يزور الخليفة الثالث ، فيجد عنده حاشيته من بني أمية ، فيسأل جليسه هل في الحضور غريب ؟. وكان قد كُفَّ بصرهُ آنئذٍ ، فلما أجابه بالنفي واطمأن أبدى ما يجول في خاطره فخاطب قومه : تلقَّفوها يا بني عبد الدار تلقف الصبيان للكرة . فَوَ الذي يحلف به أبو سفيان لا جنَّة ولا نار !. فقام إليه الإمام علي (ع) الذي كان حاضراً في طرف المجلس فنهره .. فقال أبو سفيان العتب ليس علي وإنما على الذي غرَّني وقال لا غريب بين الحضور .. فتصوَّر هذا العذر السخيف من ذلك الشيخ الذي ما دخل الإيمان إلى قلبه .
    وعندما تصاعدت أمواج الثورة ضد تصرفات بني أمية ، في عهد الخليفة الثالث ، مرّ معاوية وكان يومذاك قائد قوات بني أمية واقعاً ، ووالي الشام - في الظاهر - ، مرّ بقوم من كبار المهاجرين ، فيهم علي (ع) وطلحة والزبير فقال :
    إنكم تعلمون أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه ، حتى بعث اللـه نبيَّه فتفاضلوا بالسابقة والقدمة والجهاد . فإن أخذوا بذلك فالأمر أمرهم والناس لهم تبع . وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ، ورده اللـه إلى غيرهم . وإن اللـه على البدل لقادر ، وإني قد خلفت فيكم شيخاً فاستوصوا به خيراً وكاتفوه تكونوا أسعد منه بذلك . 99
    وعرف الحاضرون مغزى كلامه ، فلقد هددهم بأنه وحزبه سوف ينقلبون على أصحاب النبي (ص) لولم ينتصروا لعثمان .. وهكذا يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره في الخلافة لأنه غلب على ظنه قتل عثمان ألا ترى إلى قوله : وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده إلى غيرهم وهو على البدل لقادر . وإنما يعني نفسه ولذا تربص بنصرة عثمان لما استنصره 100 .
    لقد أتم الحزب الأموي استعداده للإنقلاب على النظام الإسلامي ، وإقامة نظام جاهلي جديد ، يتخذ من الدين وسيلة جديدة للسيطرة .
    وثار الناس من كل مكان ، ولا سيما من الكوفة والبصرة ، ومصر .. ومشى من كل منها ألف مسلح إلى المدينة في محاولة للضغط على الخليفة ، وكان هوى أهل الكوفة في الزبير ، بينما كان أهل البصرة يميلون إلى طلحة ، أما أهل مصر فكانوا شيعة الإمام (ع) .
    ولم يكن الإمام (ع) راضياً لفعال الخليفة ، ولكنه حاول جهده تجنب الفتنة . وكم كان يسعى لإصلاح ما أفسده بنو أمية في الحكم ، إلاّ ان الخرق كان قد اتَّسع على راقعه .
    ولعل الحديث التالي يكفينا شاهداً على موقف الإمام الإصلاحي ، وكيف كان يجابَهُ بضغوط بني أمية الغالبين على أمر الخليفة . ولعلهم كانوا ينتظرون أمراً آخر . أو كانت قيادتهم المتمثلة في معاوية تخطط فعلاً لقتل الخليفة عسى أن يتخذوه شعاراً لحركتهم نحو السلطة .
    الحديث يقول :
    إن الثوار كتبوا إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ، وأقسموا له باللـه أنهم لايرجعون عنه أبداً ، وغير تاركيه حتى يعطيهم ما يلزمهم من حق اللـه . وأحس عثمان أن القوم جادُّون في طلباتهم ، فأرسل إلى علي (ع) فلما جاءه قال له : يا أبا الحسن قد كان من الناس ما رأيت ، وكان مني ما قد علمت ، ولست آمَنَهُم على قتلي ، فارددهم عنّي ، فإن لهم واللـه أن أعفيهم من كل ما يكرهون ، وأن أعطيهم من نفسي ومن غيري ما يريدون وإن في ذلك سفك دمي .
    فقال له أمير المؤمنين (ع) :
    " إن الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، وإني لأرى القوم لا يرضون إلاّ بالرضا . وقد كنت أعطيتهم في المرة الأولى عهد اللـه أن ترجع عن جميع ما نقموا ، فرددتُهم عنك ، ولم تفِ لهم بشيء من ذلك ، فلا تغرَّنني - هذه المرة - من شيء فإني معطيهم عليك الحق " .
    قال : نعم ، فأعطهم واللـه الآن ، فواللـه لأَفِيَنَّ لهم بكل ما تريد .
    فخرج علي إلى الناس ، وقال :
    " أيها الناس ! إنكم إنما طلبتم الحق وقد أعطيتموه ، إن عثمان زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيـــره ،
    وراجع عن كل ما تكرهون " .
    فاقبلوا منه ، ووكدوا عليه .
    فقال الناس : قد قبلنا ، فاستوثق لنا منه ، فإنا واللـه لانرضى بقول دون فعل .
    فقال لهم : ذلك لكم .
    وتمضي الرواية تحدثنا عن أن رسالة خرجت - بعد هذه المعاهدة - من بيت الخليفة الثالث إلى عُمَّاله وعليها خاتم الخليفة ، يدعوهم فيها إلى نصرته ، وقتل رؤساء المعارضين ، وأنه أخذ يتأهب للقتال ويعدّ جيشاً عظيماً من رقيق الخمس .. مما أثار شكوك المعارضين ، فعادوا إليه ، وطالبوه بعزل الولاة فوراً ، أو خلع نفسه فلم يفعل . ثم أنكر الرسالة وادَّعى أنها تزوير عليه .. ولعل أصابع بني أمية داخل البيت كانت قد زورت الرسالة وغيّمت سحب الشكوك ، ووقعت الفتنة 101 .
    وهكذا جرت الرياح في اتجاه العنف ، وقتل عثمان ، وغلب الثوار على المدينة ، ولخص الإمام علي (ع) الواقعة بعدئذ في كلمتين ، حين قال عن مقتله :
    " لو أمرت به لكنت قاتلاً ، أو نهيت عنه لكنت ناصراً " .
    وأضاف : " وأنا جامع لكم أمره : استأثر فأساء الاثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع " 102 .
    ولعل حكم اللـه الواقع في المستأثر أن يكبوَ به فرس السلطة ويقتل على فراشه ، وحكمه في الجازع أن يكون كمن يجتني الثمرة في غير أوانها فلا يهنأ بها . وهكذا استطاع الحزب الأموي أن يستفيد من مقتل الخليفة أكثر من الثوار . حتى تبرَّأ من مقتل الخليفة مَن كان مِن أشد المحرِّضين عليه ، فهذه أم المؤمنين عائشة كانت تهتف : اقتلوا نعثلاً فقد كفر . وهذا طلحة والزبير ، كانا يواصلان التحريض عليه ويجرِّدان الجيوش ضدَّه . وهذا عمرو بن العاص يؤلِّب عليه حتى الرعاة . ولكنهم جميعاً انحازوا إلى صف المطالبين بدمه .
    ولو سمعوا نصيحة الإمام عليه السلام لكانت الخلافة تعود إلى مراسيها دون إراقة دماء ، وإثارة الفتن .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 11:14 am